فصل: كِتَابُ الْفَرَائِضِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


كِتَابُ الْفَرَائِضِ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏كِتَابُ الْفَرَائِضِ‏)‏‏.‏ أَيْ‏:‏ مَسَائِلِ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ، جَمْعُ فَرِيضَةٍ بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ‏:‏ أَيْ مُقَدَّرَةٍ لِمَا فِيهَا مِنْ السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ فَغُلِّبَتْ عَلَى غَيْرِهَا وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَا مَسَائِلَ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ - كَمَا قَدَّرَتْهُ - الصَّادِقَةَ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ إرَادَةً لِلتَّغْلِيبِ، وَالْفَرْضُ لُغَةً التَّقْدِيرُ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ‏}‏ أَيْ قَدَّرْتُمْ، وَأَتَى بِمَعْنَى الْقَطْعِ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏نَصِيبًا مَفْرُوضًا‏}‏ أَيْ مَقْطُوعًا مَحْدُودًا، وَبِمَعْنَى الْإِنْزَالِ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ‏}‏ أَيْ أَنْزَلَهُ، وَبِمَعْنَى التَّبْيِينِ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ‏}‏ أَيْ بَيَّنَ، وَبِمَعْنَى الْإِحْلَالِ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ‏}‏ أَيْ أَحَلَّ، وَبِمَعْنَى الْعَطَاءِ‏:‏ تَقُولُ الْعَرَبُ‏:‏ لَا أَصَبْت مِنْهُ فَرْضًا وَلَا قَرْضًا‏.‏ وَلَمَّا كَانَ عِلْمُ الْفَرَائِضِ مُشْتَمِلًا عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي السِّتَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ وَالْمَقَادِيرِ الْمُقْتَطَعَةِ وَالْعَطَاءِ الْمُجَرَّدِ، وَتَبْيِينِ اللَّهِ تَعَالَى لِكُلِّ وَارِثٍ نَصِيبَهُ، وَإِحْلَالِهِ وَإِنْزَالِهِ سُمِّيَ بِذَلِكَ‏.‏ وَشَرْعًا هُنَا نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا لِلْوَارِثِ‏.‏ وَالْأَصْلُ فِي الْفَرَائِضِ آيَاتُ الْمَوَارِيثِ وَالْأَخْبَارُ الْآتِيَةُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ‏:‏ ‏{‏أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ‏}‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ مَا فَائِدَةُ ذِكْرِ ‏"‏ ذَكَرٍ ‏"‏ بَعْدَ رَجُلٍ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلصَّبِيِّ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ مُقَابِلُ الْأُنْثَى‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ رَجُلٍ كَفَى، فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِ رَجُلٍ مَعَهُ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوَارِيثُ كَانُوا يُوَرِّثُونَ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ، وَالْكِبَارَ دُونَ الصِّغَارِ، وَكَانُوا يَجْعَلُونَ حَظَّ الزَّوْجَةِ أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ الزَّوْجِ سَنَةً وَيُوَرِّثُونَ الْأَخَ زَوْجَةَ أَخِيهِ وَكَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ بِالْحِلْفِ وَالنُّصْرَةِ فَيَقُولُ‏:‏ ذِمَّتِي ذِمَّتُكَ تَرِثُنِي وَأَرِثُكَ ثُمَّ نُسِخَ فَتَوَارَثُوا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ ثُمَّ نُسِخَ، وَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَتَيْ الْمَوَارِيثِ آيَةِ الشِّتَاءِ الَّتِي فِي أَوَّلِ النِّسَاءِ، وَآيَةِ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِهَا، فَلَمَّا نَزَلَتْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ‏}‏ وَاشْتَهَرَتْ الْأَخْبَارُ بِالْحَثِّ عَلَى تَعْلِيمِهَا، وَتَعَلُّمِهَا مِنْهَا ‏{‏تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ، وَعَلِّمُوهُ أَيْ‏:‏ عِلْمَ الْفَرَائِضِ، وَرُوِيَ وَعَلِّمُوهَا - أَيْ الْفَرَائِضَ - النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَقْضِي بَيْنَهُمَا‏}‏ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ‏.‏

وَمِنْهَا ‏{‏تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ فَإِنَّهُ مِنْ دِينِكُمْ وَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَإِنَّهُ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ‏:‏ تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ وَإِنَّمَا حَثَّهُمْ عَلَى تَعَلُّمِهِ لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِغَيْرِ هَذَا التَّوَارُثِ أَيْ‏:‏ وَهُوَ التَّوَارُثُ الْمُتَقَدِّمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ‏:‏ ‏{‏فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ‏}‏ عَلَى أَقْوَالٍ‏:‏ أَحْسَنُهَا أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ، فَإِنَّ حَالَ النَّاسِ اثْنَانِ حَيَاةٌ وَوَفَاةٌ، فَالْفَرَائِضُ تَتَعَلَّقُ بِحَالِ الْوَفَاةِ، وَسَائِرُ الْعُلُومِ تَتَعَلَّقُ بِحَالِ الْحَيَاةِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ النِّصْفُ بِمَعْنَى الصِّنْفِ‏.‏ قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏ إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ شَامِتٌ وَآخَرُ مُثْنٍ بِاَلَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ وَقِيلَ‏:‏ إنَّ الْعِلْمَ يُسْتَفَادُ بِالنَّصِّ تَارَةً وَبِالْقِيَاسِ أُخْرَى، وَعِلْمُ الْفَرَائِضِ مُسْتَفَادٌ مِنْ النَّصِّ، وَقِيلَ‏:‏ غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ‏:‏ إذَا تَحَدَّثْتُمْ فَتَحَدَّثُوا فِي الْفَرَائِضِ وَإِذَا لَهَوْتُمْ فَالْهُوا فِي الرَّمْيِ، وَاشْتَهَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِعِلْمِ الْفَرَائِضِ أَرْبَعَةٌ‏:‏ عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَزَيْدٌ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَلَمْ يَتَّفِقْ هَؤُلَاءِ فِي مَسْأَلَةٍ إلَّا وَافَقَتْهُمْ الْأُمَّةُ وَمَا اخْتَلَفُوا إلَّا وَقَعُوا فُرَادَى ثَلَاثَةٌ فِي جَانِبٍ، وَوَاحِدٌ فِي جَانِبٍ، وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَذْهَبَ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ‏}‏‏.‏ وَعَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يُهْجَرْ لَهُ قَوْلٌ بَلْ جَمِيعُ أَقْوَالِهِ مَعْمُولٌ بِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَمَعْنَى اخْتِيَارِهِ لِمَذْهَبِهِ أَنَّهُ نَظَرَ فِي أَدِلَّتِهِ فَوَجَدَهَا مُسْتَقِيمَةً فَعَمِلَ بِهَا لَا أَنَّهُ قَلَّدَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي مَطْلَبِهِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا، وَذَكَرْتُ فِي شَرْحِ النَّبِيهِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي اسْمِ زَيْدٍ أُصُولُ الْفَرَائِضِ، وَغَالِبُ قَوَاعِدِهَا، وَعَرَّفَ بَعْضُهُمْ عِلْمَ الْفَرَائِضِ بِأَنَّهُ الْفِقْهُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْإِرْثِ وَمَعْرِفَةِ الْحِسَابِ الْمُوَصِّلِ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَمَعْرِفَةِ قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ التَّرِكَةِ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ، فَخَرَجَ بِالْإِرْثِ الْعِلْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِالصَّلَاةِ مَثَلًا فَلَا يُسَمَّى عِلْمَ الْفَرَائِضِ، وَعِلْمُ الْفَرَائِضِ يَحْتَاجُ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الْأَصْحَابِ إلَى ثَلَاثَةِ عُلُومٍ‏:‏ عِلْمِ الْفَتْوَى بِأَنْ يُعْلَمَ نَصِيبُ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّرِكَةِ، وَعِلْمِ النَّسَبِ بِأَنْ يُعْلَمَ الْوَارِثُ مِنْ الْمَيِّتِ بِالنَّسَبِ وَكَيْفِيَّةِ انْتِسَابِهِ لِلْمَيِّتِ، وَعِلْمِ الْحِسَابِ بِأَنْ يُعْلَمَ مِنْ أَيِّ حِسَابٍ تَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ، وَحَقِيقَةُ مُطْلَقِ الْحِسَابِ أَنَّهُ عِلْمٌ بِكَيْفِيَّةِ التَّصَرُّفِ فِي عَدَدٍ لِاسْتِخْرَاجِ مَجْهُولٍ مِنْ مَعْلُومٍ‏.‏

المتن‏:‏

يُبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ ثُمَّ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي، ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَقٌّ كَالزَّكَاةِ وَالْجَانِي وَالْمَرْهُونِ وَالْمَبِيعِ إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا قُدِّمَ عَلَى مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏يُبْدَأُ‏)‏ وُجُوبًا ‏(‏مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ‏)‏ وَهِيَ مَا يُخَلِّفُهُ فَتَصْدُقُ بِمَا تَرَكَهُ مِنْ خَمْرٍ صَارَ خَلًّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَمِنْ شَبَكَةٍ نَصَبَهَا فَوَقَعَ فِيهَا بَعْدَ مَوْتِهِ صَيْدٌ فَيُورَثُ ذَلِكَ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ الدِّيَةُ الْمَأْخُوذَةُ فِي قَتْلِهِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ دُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ قُبَيْلَ مَوْتِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَالتَّعْبِيرُ بِالتَّرِكَةِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْمَالِ الْمُتَخَلِّفِ، وَعَلَّقَ بِيُبْدَأُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ‏)‏ بِالْمَعْرُوفِ بِحَسَبِ يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ إسْرَافِهِ وَتَقْتِيرِهِ، وَهِيَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَيِّتُ مِنْ كَفَنٍ، وَحَنُوطٍ، وَأُجْرَةِ تَغْسِيلٍ وَحَفْرٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ‏{‏لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ‏:‏ كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ‏}‏ وَلَمْ يَسْأَلْ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذَلِكَ كَمَا تُقَدَّمُ حَاجَتُهُ مِنْ مَلْبَسٍ وَقُوتٍ يَوْمَ الْقِسْمَةِ عَلَى حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ، وَإِنَّمَا يُدْفَعُ لِلْوَارِثِ مَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْمُورَثُ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُتْرَكُ لِلْحَيِّ عِنْدَ فَلَسِهِ دَسْتُ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى أَنْ يُسْتَرَ وَيُوَارَى؛ لِأَنَّ الْحَيَّ يُعَالَجُ وَيَسْعَى لِنَفْسِهِ، وَالْمَيِّتَ قَدْ انْقَطَعَ عِلَاجُهُ وَسَعْيُهُ بِمَوْتِهِ، وَيُبْدَأُ أَيْضًا بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِ مَنْ عَلَى الْمَيِّتِ مُؤْنَتُهُ إنْ كَانَ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الْفَلَسِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْمَرْأَةُ الْمُزَوَّجَةُ، وَخَادِمُهَا فَتَجْهِيزُهَا عَلَى زَوْجٍ غَنِيٍّ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمَا كَمَا مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ، وَكَالزَّوْجَةِ الْبَائِنُ الْحَامِلُ ‏(‏ثُمَّ تُقْضَى‏)‏ مِنْهَا ‏(‏دُيُونُهُ‏)‏ الْمُتَعَلِّقَةُ بِذِمَّتِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، سَوَاءٌ أَذِنَ الْمَيِّتُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا لَزِمَتْهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَيُقَدَّمُ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْحَجِّ عَلَى دَيْنِ الْآدَمِيِّ فِي الْأَصَحِّ‏.‏ أَمَّا الْمُتَعَلِّقَةُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ فَسَتَأْتِي ‏(‏ثُمَّ‏)‏ تَنْفُذُ ‏(‏وَصَايَاهُ‏)‏ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ عِتْقٍ عُلِّقَ بِالْمَوْتِ، وَتَبَرُّعٍ نُجِّزَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ أُلْحِقَ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ‏}‏ ‏(‏مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي‏)‏ بَعْدَ إخْرَاجِ دَيْنِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِثُمَّ، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ مَا الْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ الْوَصِيَّةِ فِي الْآيَةِ عَلَى الدَّيْنِ مَعَ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمَّا أَشْبَهَتْ الْمِيرَاثَ فِي كَوْنِهَا بِلَا عِوَضٍ كَانَ فِي إخْرَاجِهَا مَشَقَّةٌ عَلَى الْوَارِثِ فَقُدِّمَتْ حَثًّا عَلَى إخْرَاجِهَا؛ وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ غَالِبًا تَكُونُ لِضِعَافٍ فَقُوِّيَ جَانِبُهَا بِالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ لِئَلَّا يُطْمَعَ فِيهَا وَيُتَسَاهَلَ بِخِلَافِ الدَّيْنِ، فَإِنَّ فِيهِ مِنْ الْقُوَّةِ مَا يُغْنِيهِ عَنْ التَّقْوِيَةِ بِذَلِكَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَبَرَّعَ مُتَبَرِّعٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ‏:‏ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ التَّرِكَةَ لَمْ تَنْفُذْ الْوَصِيَّةُ وَلَمْ يُحْكَمْ بِانْعِقَادِهَا حَتَّى لَوْ تَبَرَّعَ مُتَبَرِّعٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُحْكَمُ بِانْعِقَادِهَا وَتَنْفُذُ حِينَئِذٍ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الْوَصِيَّةُ فِي الْآيَةِ مُطْلَقَةٌ فَلِمَاذَا اُعْتُبِرَتْ مِنْ الثُّلُثِ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهَا قُيِّدَتْ بِالسُّنَّةِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ‏}‏ ‏(‏ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي‏)‏ مِنْ التَّرِكَةِ ‏(‏بَيْنَ الْوَرَثَةِ‏)‏ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ إلَّا بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْمِلْكُ فِي الْجَمِيعِ يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فَتَكُونُ التَّرِكَةُ بِكَمَالِهَا كَالْمَرْهُونَةِ بِالدَّيْنِ وَإِنْ قَلَّ، وَكَمَا تُورَثُ الْأَمْوَالُ تُورَثُ الْحُقُوقُ، وَضَبَطَهُ الْمُتَوَلِّي‏:‏ بِكُلِّ حَقٍّ لَازِمٍ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ كَحَقِّ الْخِيَارِ، وَالشُّفْعَةِ بِخِلَافِ حَقِّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَاعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ أَشْيَاءَ مِنْهُ كَحَدِّ الْقَذْفِ، وَالْقِصَاصِ وَالنَّجَاسَاتِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا كَالْكَلْبِ، وَالسِّرْجِينِ، وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ ‏(‏قُلْتُ‏)‏ كَالرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ ‏(‏فَإِنْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَقٌّ كَالزَّكَاةِ‏)‏ أَيْ كَالْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ لِأَنَّهُ كَالْمَرْهُونِ بِهَا ‏(‏وَالْجَانِي‏)‏ لِتَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَتِهِ ‏(‏وَالْمَرْهُونِ‏)‏ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ ‏(‏وَالْمَبِيعِ‏)‏ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ ‏(‏إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا‏)‏ بِثَمَنِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْمَبِيعِ حَقٌّ لَازِمٌ كَكِتَابَةٍ سَوَاءٌ أَحُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ مَوْتِهِ أَمْ لَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ فَسْخِ الْبَائِعِ بِهِ ‏(‏قُدِّمَ‏)‏ ذَلِكَ الْحَقُّ ‏(‏عَلَى مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ‏)‏ وَتَجْهِيزِ مُؤَنِهِ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ تَقْدِيمًا لِحَقِّ صَاحِبِ التَّعَلُّقِ عَلَى حَقِّهِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ‏.‏ وَلَيْسَتْ صُورَةُ التَّعَلُّقِ مُنْحَصِرَةً فِي الْمَذْكُورَاتِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالْكَافِ فِي أَوَّلِهَا، وَالْحَاصِرُ لَهَا التَّعَلُّقُ بِالْعَيْنِ، فَمِنْهَا مَا إذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ قَبْلَ قِسْمَةِ مَالِ الْقِرَاضِ؛ فَإِنَّ حَقَّ الْعَامِلِ يُقَدَّمُ عَلَى مُؤْنَةِ التَّجْهِيزِ لِتَصْرِيحِهِمْ هُنَاكَ بِأَنَّ حَقَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَإِذَا أَتْلَفَهُ الْمَالِكُ إلَّا قَدْرَ حِصَّةِ الْعَامِلِ وَمَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ تَعَيَّنَ لِلْعَامِلِ، وَمِنْهَا الْمُكَاتَبُ إذَا أَدَّى نُجُومَ الْكِتَابَةِ، وَمَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ وَالْمَالُ أَوْ بَعْضُهُ بَاقٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ‏.‏

وَمِنْهَا الْمُعْتَدَّةُ عَنْ الْوَفَاةِ بِالْحَمْلِ سُكْنَاهَا مُقَدَّمٌ عَلَى التَّجْهِيزِ وَذَكَرْتُ صُوَرًا أُخْرَى مَعَ نَظْمٍ فِيهَا مَعَ إشْكَالٍ لِلسُّبْكِيِّ فِي صُورَتَيْ الزَّكَاةِ وَمَبِيعِ الْمُفْلِسِ، وَالْجَوَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَأَسْبَابُ الْإِرْثِ أَرْبَعَةٌ‏:‏ قَرَابَةٌ، وَنِكَاحٌ، وَوَلَاءٌ، فَيَرِثُ الْمُعْتِقُ الْعَتِيقَ وَلَا عَكْسَ، وَالرَّابِعُ‏:‏ الْإِسْلَامُ فَتُصْرَفُ التَّرِكَةُ لِبَيْتِ الْمَالِ إرْثًا إذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ بِالْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِرْثَ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ‏:‏ وُجُودِ أَسْبَابِهِ، وَشُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ، وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَأَسْبَابُ الْإِرْثِ‏)‏ بِاسْتِقْرَاءِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ ‏(‏أَرْبَعَةٌ‏)‏ فَلَا إرْثَ بِغَيْرِهَا مِنْ مُؤَاخَاةٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا مَرَّ‏.‏ أَوَّلُهَا ‏(‏قَرَابَةٌ‏)‏ وَهِيَ الرَّحِمُ فَيَرِثُ بِهَا بَعْضُ الْأَقَارِبِ مِنْ بَعْضٍ فِي فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ ‏(‏وَ‏)‏ ثَانِيهَا ‏(‏نِكَاحٌ‏)‏ صَحِيحٌ وَلَوْ بِلَا وَطْءٍ فَيَرِثُ بِهِ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ فِي فَرْضٍ فَقَطْ ‏(‏وَ‏)‏ ثَالِثُهَا ‏(‏وَلَاءٌ‏)‏ وَهِيَ عُصُوبَةٌ سَبَبُهَا نِعْمَةُ الْمُعْتِقِ مُبَاشَرَةً، أَوْ سِرَايَةً أَوْ شَرْعًا كَعِتْقِ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ فَيَرِثُ بِهِ الْمُعْتِقُ فِي تَعْصِيبٍ فَقَطْ‏.‏ أَمَّا الْقَرَابَةُ وَالنِّكَاحُ فَلِلْآيَةِ‏.‏ وَأَمَّا الْوَلَاءُ فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ‏}‏ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ شَبَّهَ الْوَلَاءَ بِالنَّسَبِ، وَالنَّسَبُ يُورَثُ بِهِ فَكَذَا الْوَلَاءُ ‏(‏فَيَرِثُ الْمُعْتِقُ الْعَتِيقَ‏)‏ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ‏(‏وَلَا عَكْسَ‏)‏ أَيْ لَا يَرِثُ الْعَتِيقُ الْمُعْتِقَ حَيْثُ تَمَحَّضَ كَوْنُهُ عَتِيقًا وَإِلَّا فَقَدْ يُتَصَوَّرُ الْإِرْثُ بِالْوَلَاءِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ‏:‏

إحْدَاهُمَا‏:‏ إذَا أَعْتَقَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ اسْتَلْحَقَ السَّيِّدُ بِدَارِ الْحَرْبِ فَاسْتَرَقَّهُ عَتِيقُهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ ثُمَّ أَسْلَمَا فَكُلٌّ مِنْهُمَا عَتِيقُ الْآخَرِ، وَمُعْتِقُهُ فَيَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى الْآخَرِ مُبَاشَرَةً فَيَتَوَارَثَانِ‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ أَعْتَقَ شَخْصٌ عَبْدًا فَاشْتَرَى الْعَتِيقُ أَبَا مُعْتِقِهِ فَأَعْتَقَهُ ثَبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى الْآخَرِ السَّيِّدِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالْعَتِيقِ بِالسِّرَايَةِ، وَهَذَا مِمَّا يُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ‏:‏ لَنَا شَخْصَانِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى الْآخَرِ، وَقَدْ يَخْتَصُّ التَّوَارُثُ بِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فِي الْقَرَابَةِ أَيْضًا كَابْنِ الْأَخِ يَرِثُ عَمَّتَهُ وَلَا عَكْسَ، وَلَمَّا كَانَتْ الْأَسْبَابُ الثَّلَاثَةُ خَاصَّةً لَمْ يُفْرِدْ كُلًّا مِنْهَا بِالذِّكْرِ، وَلَمَّا كَانَ الرَّابِعُ عَامًّا أَفْرَدَهُ، فَقَالَ ‏(‏وَالرَّابِعُ الْإِسْلَامُ‏)‏ أَيْ‏:‏ جِهَتُهُ فَإِنَّهَا الْوَارِثَةُ كَالنَّسَبِ لَا الْمُسْلِمُونَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَإِنَّهَا تَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ الْوَرَثَةُ هُمْ الْمُسْلِمُونَ لَمْ تَصِحَّ، فَلَمَّا صَحَّتْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْوَارِثَ الْجِهَةُ ‏(‏فَتُصْرَفُ التَّرِكَةُ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَرِكَةُ الْمُسْلِمِ أَوْ بَاقِيهَا كَمَا سَيَأْتِي ‏(‏لِبَيْتِ الْمَالِ‏)‏ لَا مَصْلَحَةً كَمَا قِيلَ بَلْ ‏(‏إرْثًا‏)‏ لِلْمُسْلِمِينَ عُصُوبَةً ‏(‏إذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ بِالْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ‏)‏ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏أَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ‏.‏ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرِثُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَصْرِفُ ذَلِكَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْ الْمَيِّتِ كَالْعَصَبَةِ مِنْ الْقَرَابَةِ فَيَضَعُ الْإِمَامُ تَرِكَتَهُ، أَوْ بَاقِيَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ يَخُصُّ مِنْهَا مَنْ يَشَاءُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْوَارِثُ الْمُعَيَّنُ لَا يُعْطَى مِنْ الْوَصِيَّةِ شَيْئًا بِلَا إجَازَةٍ

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ اسْتِوَاءَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي اسْتِحْقَاقِ هَذَا الْإِرْثِ أَهْلَ الْبَلَدِ وَغَيْرَهُمْ، وَمَنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ، أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ أَوْ عَتَقَ بَعْدَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ خَصَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِبَلَدِ الْمَيِّتِ، وَلَكِنْ لَا يُعْطِي مُكَاتَبًا وَلَا قَاتِلًا وَلَا مَنْ فِيهِ رِقٌّ وَلَا كَافِرًا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا وَارِثِينَ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ أُعْطِيَهُ وَجَازَ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا أَيْضًا بِالْإِرْثِ فَيَجْمَعَ بَيْنَ الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، بِخِلَافِ الْوَارِثِ الْمُعَيَّنِ لَا يُعْطَى مِنْ الْوَصِيَّةِ شَيْئًا بِلَا إجَازَةٍ‏.‏ أَمَّا الذِّمِّيُّ إذَا مَاتَ لَا عَنْ وَارِثٍ أَوْ وَارِثٍ غَيْرِ مُسْتَغْرِقٍ فَإِنَّ تَرِكَتَهُ أَوْ بَاقِيَهَا تَنْتَقِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَيْئًا‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ الْأَسْبَابِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْإِمَامِ كَأَنْ يَمْلِكَ بِنْتَ عَمِّهِ، ثُمَّ يُعْتِقَهَا، ثُمَّ يَتَزَوَّجَ بِهَا، ثُمَّ تَمُوتَ وَلَا وَارِثَ لَهَا غَيْرُهُ، فَهُوَ زَوْجُهَا وَابْنُ عَمِّهَا وَمُعْتِقُهَا وَإِمَامُ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَا مَدْخَلَ لِلْوَلَاءِ وَبَيْتِ الْمَالِ مَعَ وُجُودِ الْعَاصِبِ مِنْ النَّسَبِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهَا تُصُوِّرَتْ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَرِثْ بِهَا كُلِّهَا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الْإِمَامُ لَيْسَ بَيْتَ الْمَالِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَارِثَ جِهَةُ الْإِسْلَامِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ فِيهِ‏.‏ وَأَمَّا شُرُوطُ الْإِرْثِ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا‏:‏

أَوَّلُهَا‏:‏ تَحَقُّقُ مَوْتِ الْمُورَثِ، أَوْ إلْحَاقُهُ بِالْمَوْتَى تَقْدِيرًا كَجَنِينٍ انْفَصَلَ مَيِّتًا فِي حَيَاةِ أُمِّهِ، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا بِجِنَايَةٍ عَلَى أُمِّهِ مُوجِبَةٍ لِلْغُرَّةِ، فَيُقَدَّرُ أَنَّ الْجَنِينَ عَرَضَ لَهُ الْمَوْتُ لِتُوَرَّثَ عَنْهُ الْغُرَّةُ أَوْ إلْحَاقُ الْمُورَثِ بِالْمَوْتَى حُكْمًا كَمَا فِي حُكْمِ الْقَاضِي بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ اجْتِهَادًا‏.‏

وَثَانِيهَا‏:‏ تَحَقُّقُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ مُورَثِهِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ‏.‏

وَثَالِثُهَا‏:‏ مَعْرِفَةُ إدْلَائِهِ لِلْمَيِّتِ بِقَرَابَةٍ، أَوْ نِكَاحٍ، أَوْ وَلَاءٍ‏.‏

وَرَابِعُهَا‏:‏ الْجِهَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْإِرْثِ تَفْصِيلًا، وَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْقَاضِي فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِرْثِ مُطْلَقَةً كَقَوْلِ الشَّاهِدِ لِلْقَاضِي‏:‏ هَذَا وَارِثُ هَذَا بَلْ لَا بُدَّ فِي شَهَادَتِهِ مِنْ بَيَانِ الْجِهَةِ الَّتِي اقْتَضَتْ إرْثَهُ مِنْهُ، وَلَا يَكْفِي أَيْضًا قَوْلُ الشَّاهِدِ‏:‏ هَذَا ابْنُ عَمِّهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِالْقُرْبِ وَالدَّرَجَةِ الَّتِي اجْتَمَعَا فِيهَا‏.‏ وَأَمَّا مَوَانِعُ الْإِرْثِ فَسَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَالْمُجْمَعُ عَلَى إرْثِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ عَشَرَةٌ‏:‏ الِابْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، وَالْأَبُ وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا، وَالْأَخُ وَابْنُهُ إلَّا مِنْ الْأُمِّ، وَالْعَمُّ إلَّا لِلْأُمِّ، وَكَذَا ابْنُهُ وَالزَّوْجُ وَالْمُعْتِقُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَالْمُجْمَعُ عَلَى إرْثِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الذُّكُورِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِمْ كَانَ أَوْلَى لَكِنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ، وَكَذَا فِي النِّسَاءِ فَيَشْمَلُ غَيْرَ الْبَالِغِينَ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ ‏(‏عَشَرَةٌ‏)‏ بِالِاخْتِصَارِ، وَخَمْسَةَ عَشْرَةَ بِالْبَسْطِ وَهُمْ ‏(‏الِابْنُ وَابْنُهُ‏)‏ وَهَذَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ سَفَلَ‏)‏ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ التَّنْبِيهَ عَلَى إخْرَاجِ ابْنِ الْبِنْتِ ‏(‏وَالْأَبُ وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا وَالْأَخُ‏)‏ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ وَلِأُمٍّ ‏(‏وَابْنُهُ‏)‏ أَيْ الْأَخِ، وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏إلَّا مِنْ الْأُمِّ‏)‏ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ ابْنِهِ فَقَطْ أَيْ‏:‏ ابْنِ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ‏.‏ أَمَّا ابْنُهُ لِأُمٍّ فَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَمَا سَيَأْتِي ‏(‏وَالْعَمُّ‏)‏ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عَمُّ الْأَبِ، وَعَمُّ الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا، وَيَدْخُلُ فِي ابْنِهِ الْآتِي ابْنَاهُمَا ‏(‏إلَّا‏)‏ الْعَمَّ ‏(‏لِلْأُمِّ‏)‏ فَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ ‏(‏وَكَذَا ابْنُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ ‏(‏وَالزَّوْجُ وَالْمُعْتِقُ‏)‏ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ أَوْ وَرِثَ بِهِ، فَلَا يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ فِي الْعَشَرَةِ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ، وَمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ‏.‏

المتن‏:‏

وَمِنْ النِّسَاءِ سَبْعٌ‏:‏ الْبِنْتُ، وَبِنْتُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ، وَالْأُمُّ، وَالْجَدَّةُ وَالْأُخْتُ، وَالزَّوْجَةُ وَالْمُعْتِقَةُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ الْمُجْمَعُ عَلَى إرْثِهِنَّ ‏(‏مِنْ النِّسَاءِ سَبْعٌ‏)‏ بِالِاخْتِصَارِ وَعَشَرَةٌ بِالْبَسْطِ، وَهُنَّ ‏(‏الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الِابْنُ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ‏:‏ وَإِنْ سَفَلَتْ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِدُخُولِ بِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ، وَلَيْسَتْ بِوَارِثَةٍ، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَالْمُتَعَارَفُ عَوْدُهُ لِلْمُضَافِ ‏(‏وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ‏)‏ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَوْ الْأَبِ وَإِنْ عَلَتْ ‏(‏وَالْأُخْتُ‏)‏ مِنْ جِهَاتِهَا الثَّلَاثِ ‏(‏وَالزَّوْجَةُ وَالْمُعْتِقَةُ‏)‏ وَهِيَ مَنْ صَدَرَ مِنْهَا الْعِتْقُ، أَوْ وَرِثَتْ بِهِ كَمَا مَرَّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْأَفْصَحُ أَنْ يُقَالَ فِي الْمَرْأَةِ زَوْجٌ، وَالزَّوْجَةُ لُغَةٌ مَرْجُوحَةٌ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَاسْتِعْمَالُهَا فِي بَابِ الْفَرَائِضِ مُتَعَيَّنٌ لِيَحْصُلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَسْتَعْمِلُ فِي عِبَارَتِهِ الْمَرْأَةَ، وَهُوَ حَسَنٌ‏.‏

المتن‏:‏

فَلَوْ اجْتَمَعَ كُلُّ الرِّجَالِ وَرِثَ الْأَبُ وَالِابْنُ وَالزَّوْجُ فَقَطْ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَلَوْ اجْتَمَعَ كُلُّ الرِّجَالِ‏)‏ فَقَطْ وَلَا يَكُونُ إلَّا وَالْمَيِّتُ أُنْثَى ‏(‏وَرِثَ‏)‏ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ ‏(‏الْأَبُ، وَالِابْنُ، وَالزَّوْجُ فَقَطْ‏)‏ لِأَنَّهُمْ لَا يُحْجَبُونَ، وَمَنْ بَقِيَ مَحْجُوبٌ بِالْإِجْمَاعِ فَابْنُ الِابْنِ بِالِابْنِ، وَالْجَدُّ بِالْأَبِ وَالْبَاقِي مَحْجُوبٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ بِالِابْنِ، وَتَصِحُّ مَسْأَلَتُهُمْ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِأَنَّ فِيهَا رُبُعًا وَسُدُسًا‏:‏ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ، وَلِلْأَبِ السُّدُسُ، وَلِلِابْنِ الْبَاقِي‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

شَبَّهَ الْفَرْضِيُّونَ عَمُودَ النَّسَبِ بِالشَّيْءِ الْمُدْلَى مِنْ عُلُوٍّ، فَأَصْلُ كُلِّ إنْسَانٍ أَعْلَى مِنْهُ، وَفَرْعُهُ أَسْفَلُ مِنْهُ، وَكَانَ مُقْتَضَى تَشْبِيهِهِ بِالشَّجَرَةِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَفَرْعُهُ أَعْلَى كَمَا فِي الشَّجَرَةِ، فَيُقَالُ فِي أَصْلِهِ‏:‏ وَإِنْ سَفَلَ، وَفِي فَرْعِهِ‏:‏ وَإِنْ عَلَا‏.‏

المتن‏:‏

أَوْ كُلُّ النِّسَاءِ فَالْبِنْتُ، وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُمُّ، وَالْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏أَوْ‏)‏ اجْتَمَعَ ‏(‏كُلُّ النِّسَاءِ‏)‏ فَقَطْ، وَلَا يَكُونُ إلَّا وَالْمَيِّتُ ذَكَرٌ ‏(‏فَ‏)‏ الْوَارِثُ مِنْهُنَّ خَمْسَةٌ، وَهُنَّ ‏(‏الْبِنْتُ، وَبِنْتُ الِابْنِ، وَالْأُمُّ، وَالْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ، وَالزَّوْجَةُ‏)‏ وَالْبَاقِي مِنْ النِّسَاءِ مَحْجُوبٌ‏:‏ الْجَدَّةُ بِالْأُمِّ، وَالْأُخْتُ لِلْأُمِّ بِالْبِنْتِ، وَكُلٌّ مِنْ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْمُعْتِقَةِ بِالشَّقِيقَةِ لِكَوْنِهَا مَعَ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ عَصَبَةٌ تَأْخُذُ الْفَاضِلَ عَنْ الْفُرُوضِ، وَتَصِحُّ مَسْأَلَتُهُنَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ فِيهَا سُدُسًا، وَثُمُنًا لِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ، وَلِلْأُخْتِ الْبَاقِي، وَهُوَ سَهْمٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يَجُوزُ فِي النِّسَاءِ الْجَرُّ بِتَقْدِيرِ كُلٍّ كَمَا قَدَّرْتُهُ وَالرَّفْعُ إنْ لَمْ تُقَدِّرْهَا‏.‏

المتن‏:‏

أَوْ الَّذِينَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ مِنْ الصِّنْفَيْنِ فَالْأَبَوَانِ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏أَوْ‏)‏ اجْتَمَعَ ‏(‏الَّذِينَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ مِنْ الصِّنْفَيْنِ‏)‏ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِأَنْ اجْتَمَعَ كُلُّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا الزَّوْجَةَ فَإِنَّهَا الْمَيِّتَةُ، أَوْ كُلُّ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ إلَّا الزَّوْجَ فَإِنَّهُ الْمَيِّتُ وَرِثَ مِنْهُمْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ خَمْسَةٌ، بَيَّنَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَالْأَبَوَانِ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ‏)‏ وَهُوَ الزَّوْجُ حَيْثُ الْمَيِّتُ الزَّوْجَةُ، وَهِيَ حَيْثُ الْمَيِّتُ الزَّوْجُ لِحَجْبِهِمْ مَنْ عَدَاهُمْ، فَالْأَوْلَى‏:‏ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ أَرْبَعَةٌ وَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ، وَالْبَاقِي، وَهُوَ خَمْسَةٌ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ أَثْلَاثًا، وَلَا ثُلُثَ لَهُ صَحِيحٌ، فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي اثْنَيْ عَشَرَ تَبْلُغُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ‏.‏

وَالثَّانِيَةُ‏:‏ أَصْلُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ‏:‏ لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ، وَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ، وَالْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ أَثْلَاثًا، وَلَا ثُلُثَ لَهُ صَحِيحٌ، فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ تَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ‏:‏ أَوْ الَّذِينَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ مِنْ الصِّنْفَيْنِ اسْتِحَالَةَ اجْتِمَاعِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ عَلَى مَيِّتٍ وَاحِدٍ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَصَوَّرَ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً عَلَى مَيِّتٍ مُكَفَّنٍ أَنَّهُ امْرَأَتُهُ، وَهَؤُلَاءِ أَوْلَادُهُ مِنْهَا، وَأَقَامَتْ امْرَأَةٌ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ زَوْجُهَا وَهَؤُلَاءِ أَوْلَادُهَا مِنْهُ فَكُشِفَ عَنْهُ، فَإِذَا هُوَ خُنْثَى لَهُ آلَةُ الرِّجَالِ وَآلَةُ النِّسَاءِ وَقَدْ ذَكَرْتُ تَصْحِيحَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَفَارِيعَهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ‏.‏ ضَابِطٌ‏:‏ كُلُّ مَنْ انْفَرَدَ مِنْ الذُّكُورِ حَازَ جَمِيعَ التَّرِكَةِ إلَّا الزَّوْجَ وَالْأَخَ لِلْأُمِّ، وَمَنْ قَالَ بِالرَّدِّ لَا يَسْتَثْنِي إلَّا الزَّوْجَ وَكُلُّ مَنْ انْفَرَدَ مِنْ الْإِنَاثِ لَا يَحُوزُ جَمِيعَ الْمَالِ إلَّا الْمُعْتِقَةَ، وَمَنْ قَالَ بِالرَّدِّ لَا يَسْتَثْنِي مِنْ حَوْزِ جَمِيعِ الْمَالِ إلَّا الزَّوْجَةَ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ فُقِدُوا كُلُّهُمْ فَأَصْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُورَثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ وَلَا يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ، بَلْ الْمَالُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ بِالرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ مَا فَضَلَ عَنْ فُرُوضِهِمْ بِالنِّسْبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا صُرِفَ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَهُمْ مَنْ سِوَى الْمَذْكُورِينَ مِنْ الْأَقَارِبِ، وَهُمْ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ أَبُو الْأُمِّ، وَكُلُّ جَدٍّ وَجَدَّةٍ سَاقِطَيْنِ، وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ، وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ، وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ، وَالْعَمُّ لِلْأُمِّ، وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ، وَالْمُدْلُونَ بِهِمْ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ فُقِدُوا‏)‏ أَيْ الْوَرَثَةُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ‏(‏كُلُّهُمْ‏)‏ أَوْ فَضَلَ عَمَّنْ وُجِدَ مِنْهُمْ شَيْءٌ ‏(‏فَأَصْلُ‏)‏ الْمَنْقُولِ فِي ‏(‏الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُورَثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ‏)‏ أَصْلًا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمْ ‏{‏لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ‏}‏، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ عَدَمُ ذِكْرِهِمْ فِي الْقُرْآنِ‏.‏ قَالَ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ‏:‏ وَفِي الْحَدِيثِ ‏"‏ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ إلَى قُبَاءَ يَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ‏:‏ إنَّهُمْ يَرِثُونَ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ ‏(‏وَ‏)‏ أَصْلُ الْمَذْهَبِ أَيْضًا فِيمَا إذَا لَمْ يُفْقَدُوا كُلُّهُمْ، بِأَنْ وُجِدَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ التَّرِكَةَ أَنَّهُ ‏(‏لَا يُرَدُّ‏)‏ مَا بَقِيَ ‏(‏عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ‏)‏ فِيمَا إذَا فَضَلَ عَنْهُمْ شَيْءٌ، وَهَذَا لَوْلَا مَا قَدَّرْتُهُ لَكَانَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ، إذْ صُورَةُ الْمَتْنِ فَقْدُ الْكُلِّ فَيَكُونُ اسْتِئْنَافًا لِفَقْدِ الْبَعْضِ، فَإِذَا وُجِدَ ذُو فَرْضٍ كَالْبِنْتَيْنِ وَالْأُخْتَيْنِ أَخَذَتَا فَرْضَيْهِمَا وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا الْبَاقِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ‏}‏ وَالرَّدُّ يَقْتَضِي أَخْذَهُمَا الْكُلَّ ‏(‏بَلْ الْمَالُ‏)‏ كُلُّهُ فِي فَقْدِهِمْ كُلِّهِمْ أَوْ الْبَاقِي فِي فَقْدِ بَعْضِهِمْ بَعْدَ الْفُرُوضِ ‏(‏لِبَيْتِ الْمَالِ‏)‏ سَوَاءٌ انْتَظَمَ أَمْرُهُ بِإِمَامٍ عَادِلٍ يَصْرِفُهُ فِي جِهَتِهِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْإِرْثَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْإِمَامُ نَاظِرٌ وَمُسْتَوْفٍ لَهُمْ، وَالْمُسْلِمُونَ لَمْ يُعْدَمُوا، وَإِنَّمَا عُدِمَ الْمُسْتَوْفِي لَهُمْ فَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ سُقُوطَ حَقِّهِمْ، هَذَا هُوَ مَنْقُولُ الْمَذْهَبِ فِي الْأَصْلِ، وَقَدْ يَطْرَأُ عَلَى الْأَصْلِ مَا يَقْتَضِي مُخَالَفَتَهُ كَمَا قَالَ ‏(‏وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ‏)‏ مِنْ الْأَصْحَابِ يَعْنِي‏:‏ جُمْهُورَهُمْ ‏(‏إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ‏)‏ لِكَوْنِ الْإِمَامِ غَيْرَ عَادِلٍ ‏(‏بِالرَّدِّ‏)‏ أَيْ بِأَنْ يُرَدَّ ‏(‏عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ‏)‏ لِأَنَّ الْمَالَ مَصْرُوفٌ إلَيْهِمْ، أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَالِ بِالْإِنْفَاقِ، فَإِذَا تَعَذَّرَتْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَصْرِيحٌ بِاخْتِيَارِ هَذَا، لَكِنْ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ‏:‏ إنَّهُ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ عِنْدَ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا‏:‏ مِنْهُمْ ابْنُ سُرَاقَةَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا وَمُتَقَدِّمِيهِمْ أَيْ‏:‏ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْأَرْبَعِمِائَةِ، وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمُتَوَلِّي وَالْجَوْجَرِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ، فَتَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ لَهُ بِفَتْوَى الْمُتَأَخِّرِينَ لَيْسَ بِوَاضِحٍ، وَكَلَامُهُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الرَّدِّ أَنَّهُ يُصْرَفُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ، وَلَيْسَ مُرَادًا قَطْعًا، بَلْ إنْ كَانَ فِي يَدِ أَمِينٍ نَظَرٌ، إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَصَالِحِ دُفِعَ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاضٍ بِشَرْطِهِ صَرَفَ الْأَمِينُ بِنَفْسِهِ إلَى الْمَصَالِحِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْجَائِرِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ لِلْمُتَصَدِّقِ غَرَضًا صَحِيحًا فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِيَقِينٍ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ، وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ‏)‏ بِجَرِّ غَيْرِ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ نَصْبِهَا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ زِيَادَتِهِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الرَّدِّ الْقَرَابَةُ، وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فِيهِمَا، وَنَقَلَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، هَذَا إنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَلَوْ كَانَ مَعَ الزَّوْجِيَّةِ رَحِمٌ‏:‏ كَبِنْتِ الْخَالَةِ، وَبِنْتِ الْعَمِّ وَجَبَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالرَّدِّ الرَّدُّ عَلَيْهِمَا لَكِنَّ الصَّرْفَ إلَيْهِمَا مِنْ جِهَةِ الرَّحِمِ لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ ‏(‏ مَا فَضَلَ عَنْ فُرُوضِهِمْ بِالنِّسْبَةِ‏)‏ لِسِهَامِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ طَلَبًا لِلْعَدْلِ فِيهِمْ، فَإِنْ كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا كَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ أَخَذَ الْفَرْضَ وَالْبَاقِيَ بِالرَّدِّ، أَوْ جَمَاعَةً مِنْ صِنْفٍ‏:‏ كَالْبَنَاتِ، فَالْبَاقِي لَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ صِنْفَيْنِ فَأَكْثَرَ رُدَّ الْبَاقِي عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ سِهَامِهِمْ، فَفِي بِنْتٍ وَأُمٍّ يَبْقَى بَعْدَ إخْرَاجِ فَرْضَيْهِمَا سَهْمَانِ مِنْ سِتَّةٍ‏:‏ لِلْأُمِّ رُبُعُهُمَا نِصْفُ سَهْمٍ، وَلِلْبِنْتِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِمَا، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ إنْ اعْتَبَرْتَ مَخْرَجَ النِّصْفِ، وَمَنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ إنْ اعْتَبَرْتَ مَخْرَجَ الرُّبُعِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقَاعِدَةِ، وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إلَى أَرْبَعَةٍ‏:‏ لِلْبِنْتِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ وَاحِدٌ، وَفِي بِنْتٍ وَأُمٍّ وَزَوْجٍ يَبْقَى بَعْدَ إخْرَاجِ فُرُوضِهِمْ سَهْمٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِلْبِنْتِ وَرُبُعُهُ لِلْأُمِّ، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إلَى سِتَّةَ عَشَرَ‏:‏ لِلزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبِنْتِ تِسْعَةٌ، وَلِلْأُمِّ ثَلَاثَةٌ، وَفِي بِنْتٍ وَأُمٍّ وَزَوْجَةٍ يَبْقَى بَعْدَ إخْرَاجِ فُرُوضِهِنَّ خَمْسَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ‏:‏ لِلْأُمِّ رُبُعُهَا سَهْمٌ وَرُبُعٌ، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ وَتِسْعِينَ وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ لِلزَّوْجَةِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبِنْتِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَلِلْأُمِّ سَبْعَةٌ‏.‏ قَالَ الشَّارِحُ‏:‏ وَيُقَالُ‏:‏ عَلَى وَفْقِ الِاخْتِصَارِ ابْتِدَاءً فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى‏:‏ سِهَامُهُمَا مِنْ السِّتَّةِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ‏:‏ فَيَجْعَلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ‏.‏ وَفِي اللَّتَيْنِ بَعْدَهَا الْبَاقِي مِنْ مَخْرَجِ الرُّبُعِ، وَالثُّمُنُ لِلزَّوْجَيْنِ بَعْدَ نَصِيبِهِمَا لَا يَنْقَسِمُ عَلَى أَرْبَعَةِ سِهَامٍ‏:‏ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ مِنْ مَسْأَلَتِهِمَا فَتُضْرَبُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ أَيْ‏:‏ فَتُضْرَبُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ بِسِتَّةَ عَشَرَ، وَفِي الثَّالِثَةِ أَرْبَعَةٌ فِي ثَمَانِيَةٍ بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ لَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ، وَهِيَ مُخْتَصَرَةٌ مَفِيدَةٌ وَالرَّدُّ ضِدُّ الْعَوْلِ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي قَدْرِ السِّهَامِ وَنَقْصٌ فِي عَدَدِهَا وَالْعَوْلُ نَقْصٌ فِي قَدْرِهَا وَزِيَادَةٌ فِي عَدَدِهَا ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا‏)‏ أَيْ‏:‏ أَصْحَابُ الْفُرُوضِ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ ‏(‏صُرِفَ‏)‏ الْمَالُ ‏(‏إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ‏)‏ لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَإِنَّمَا قُدِّمَ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُفِيدَةَ لِاسْتِحْقَاقِ الْفَرْضِ أَقْوَى، وَإِذَا صُرِفَ إلَيْهِمْ فَالْأَصَحُّ تَعْمِيمُهُمْ، وَقِيلَ‏:‏ يُخَصُّ بِهِ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ صُرِفَ لَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ الْإِرْثِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ وَالرَّافِعِيُّ الثَّانِيَ، وَفِي كَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِهِمْ مَذْهَبَانِ‏:‏ مَذْهَبُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ، وَهُوَ أَنْ يَنْزِلَ كُلُّ فَرْعٍ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِ الَّذِي يُدْلِي بِهِ إلَى الْمَيِّتِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْقَرَابَةِ وَهُوَ تَوْرِيثُ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ كَالْعَصَبَاتِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ، وَالْمَذْهَبَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ مَنْ انْفَرَدَ مِنْهُمْ حَازَ جَمِيعَ الْمَالِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ، وَيُقَدَّمُ مِنْهُمْ الْأَسْبَقُ إلَى الْوَارِثِ لَا إلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْوَارِثِ فَاعْتِبَارُ الْقُرْبِ إلَيْهِ أَوْلَى، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي السَّبْقِ إلَيْهِ قُدِّرَ كَأَنَّ الْمَيِّتَ خَلَّفَ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً، ثُمَّ يُجْعَلُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِلْمُدْلِينَ بِهِ الَّذِينَ نَزَلُوا مَنْزِلَتَهُ عَلَى حَسَبِ مِيرَاثِهِمْ مِنْهُ لَوْ كَانَ هُوَ الْمَيِّتُ، فَإِنْ كَانُوا يَرِثُونَ بِالْعُصُوبَةِ اقْتَسَمُوا نَصِيبَهُ ‏{‏لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏}‏ أَوْ بِالْفَرْضِ اقْتَسَمُوا نَصِيبَهُ عَلَى حَسَبِ فُرُوضِهِمْ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَوْلَادُ الْأَخِ مِنْ الْأُمِّ، وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ مِنْهَا فَلَا يَقْتَسِمُونَ ذَلِكَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بَلْ يَقْتَسِمُونَهُ بِالسَّوِيَّةِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ إرْثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَإِرْثِ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ فِي أَنَّهُ إمَّا بِالْفَرْضِ أَوْ بِالتَّعْصِيبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُ الْقَاضِي - تَوْرِيثُهُمْ تَوْرِيثٌ بِالْعُصُوبَةِ؛ لِأَنَّهُ يُرَاعَى فِيهِ الْقُرْبُ وَيُفَضَّلُ الذَّكَرُ وَيَحُوزُ الْمُنْفَرِدُ الْجَمِيعَ - تَفْرِيعٌ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ وَلْنَذْكُرْ أَمْثِلَةً يَتَّضِحُ بِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ‏:‏ بِنْتُ بِنْتٍ وَبِنْتُ بِنْتِ ابْنٍ‏:‏ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُجْعَلَانِ بِمَنْزِلَةِ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ فَيَحُوزَانِ الْمَالَ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ أَرْبَاعًا بِنِسْبَةِ إرْثِهِمَا، وَعَلَى الثَّانِي الْمَالُ لِبِنْتِ الْبِنْتِ لِقُرْبِهَا إلَى الْمَيِّتِ، بِنْتُ ابْنِ بِنْتٍ وَبِنْتُ بِنْتِ ابْنٍ الْمَالُ لِلثَّانِيَةِ بِالِاتِّفَاقِ‏.‏ أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهَا أَسْبَقُ إلَى الْوَارِثِ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي، فَلِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الدَّرَجَةِ، بِنْتُ بِنْتٍ وَابْنٌ وَبِنْتٌ مِنْ بِنْتٍ أُخْرَى لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ الِابْنِ وَأُخْتِهِ أَثْلَاثًا بِأَنْ يُجْعَلَ الْمَالُ بَيْنَ بِنْتَيْ الصُّلْبِ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ، ثُمَّ يُجْعَلَ نِصْفُ الْبِنْتِ الْأُولَى لِبِنْتِهَا وَنِصْفُ الْأُخْرَى لِوَلَدَيْهَا أَثْلَاثًا، وَالتَّنْزِيلُ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِرْثِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْحَجْبِ كَمَا أَفَادَنِيهِ شَيْخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَاسْتَفِدْهُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، فَلَوْ مَاتَ شَخْصٌ عَنْ زَوْجَةٍ وَبِنْتِ بِنْتٍ لَا تَحْجُبُهَا إلَى الثُّمُنِ، وَكَذَا الْبَقِيَّةُ ثَلَاثُ بَنَاتِ إخْوَةٍ مُتَفَرِّقِينَ، السُّدُسُ لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ اعْتِبَارًا بِالْآبَاءِ، وَبِنْتُ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ مَحْجُوبَةٌ لِحَجْبِ أَبِيهَا بِالشَّقِيقِ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، ثَلَاثَةُ بَنِي أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ كَمَا هُوَ بَيْنَ أُمَّهَاتِهِمْ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ ‏(‏وَهُمْ‏)‏ لُغَةً كُلُّ قَرِيبٍ وَشَرْعًا ‏(‏مَنْ سِوَى الْمَذْكُورِينَ‏)‏ بِالْإِرْثِ ‏(‏مِنْ الْأَقَارِبِ‏)‏ هُوَ بَيَانٌ لِمَنْ ‏(‏وَهُمْ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ‏)‏ جَمْعُ صِنْفٍ بِمَعْنَى النَّوْعِ وَفَتْحُ صَادِهِ لُغَةٌ ‏(‏أَبُو الْأُمِّ وَكُلُّ جَدٍّ وَجَدَّةٍ سَاقِطَيْنِ‏)‏ كَأَبِي أَبِي الْأُمِّ، وَأُمِّ أَبِي الْأُمِّ، وَهَذَانِ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَمَنْ جَعَلَهُمَا صِنْفَيْنِ عَدَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَحَدَ عَشَرَ ‏(‏وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ‏)‏ لِلصُّلْبِ كَبِنْتِ بِنْتٍ، أَوْ لِلِابْنِ كَبِنْتِ بِنْتِ ابْنٍ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ تَعْبِيرُهُ بِأَوْلَادٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرُوا أَوْلَادَ بَنَاتِ الِابْنِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَنَاتِ شَامِلٌ لَهُمْ كَمَا أَدْخَلْتُهُمْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ‏(‏وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ‏)‏ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ ‏(‏وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ‏)‏ كَذَلِكَ ‏(‏وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ‏)‏ وَكَذَا بَنَاتُهُمْ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَمَّا كَانَ فَرْعُ الْأَخَوَاتِ لَا يَرِثُ مُطْلَقًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، عَبَّرَ بِالْأَوْلَادِ الشَّامِلِ لِلصِّنْفَيْنِ كَمَا مَرَّ، وَقَيَّدَ فَرْعَ الْإِخْوَةِ بِالْبَنَاتِ لِيُخْرِجَ ذُكُورَهُمْ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِبَنِي الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ بَنَاتِهِمْ دَخَلُوا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ، وَلِفَهْمِهِنَّ بِالْأَوْلَى مِنْ ذِكْرِ الْبَنِينَ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَالْعَمُّ‏)‏ بِالرَّفْعِ ‏(‏لِلْأُمِّ‏)‏ وَهُوَ أَخُو الْأَبِ لِأُمِّهِ ‏(‏وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ‏)‏ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَكَذَا بَنُو الْأَعْمَامِ لِلْأُمِّ ‏(‏وَالْعَمَّاتُ‏)‏ بِالرَّفْعِ ‏(‏وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ‏)‏ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ جِهَاتِهِ الثَّلَاثِ ‏(‏وَالْمُدْلُونَ بِهِمْ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَشَرَةِ مَا عَدَا السَّاقِطَ مِنْ الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ إذْ لَمْ يَبْقَ فِي ذَلِكَ السَّاقِطِ مَنْ يُدْلِي بِهِ، وَهَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى ‏"‏ عَشَرَةٌ ‏"‏ فَيَكُونُ زَائِدًا عَلَيْهِمْ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ الْأَوَّلُ‏:‏ لَوْ خَلَّفَ ثَلَاثَ خَالَاتٍ، وَثَلَاثَ عَمَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ كَانَ لِلْخَالَاتِ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّهُ نَصِيبُ الْأُمِّ لَوْ كَانَتْ حَيَّةً مَعَ الْأَبِ وَلِلْعَمَّاتِ الثُّلُثَانِ؛ لِأَنَّهُ نَصِيبُ الْأَبِ لَوْ كَانَ حَيًّا مَعَ الْأُمِّ‏.‏ الثَّانِي‏:‏ أَوْلَادُ الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَعْمَامِ مِنْ الْأُمِّ كَآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ انْفِرَادًا وَاجْتِمَاعًا يُسْقِطُ الْأَقْرَبُ الْأَبْعَدَ مِنْهُمْ إلَى الْوَارِثِ كَمَا سَبَقَ، فَإِنْ كَانَ فِي دَرَجَتِهِمْ بِنْتُ عَمٍّ فَأَكْثَرَ لِغَيْرِ أُمٍّ أَخَذَتْ الْمَالَ لِسَبْقِهَا إلَى الْوَارِثِ‏.‏ الثَّالِثُ‏:‏ أَخْوَالُ الْأُمِّ وَخَالَاتُهَا بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْأُمِّ فَيَرِثُونَ مَا تَرِثُهُ وَيَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ، كَمَا لَوْ مَاتَتْ عَنْهُمْ، وَأَعْمَامُهَا وَعَمَّاتُهَا بِمَنْزِلَةِ أَبِي الْأُمِّ فَيَرِثُونَ مَا يَرِثُهُ، وَعَمَّاتُهُ بِمَنْزِلَةِ أَبِي الْأَبِ فَيَرِثْنَ مَا يَرِثُهُ، وَهَكَذَا كُلُّ خَالٍ وَخَالَةٍ بِمَنْزِلَةِ الْجَدَّةِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهَا، وَكُلُّ عَمٍّ وَعَمَّةٍ بِمَنْزِلَةِ الْجَدِّ الَّذِي هُوَ أَخُوهَا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي بَيَانِ الْفُرُوضِ وَأَصْحَابِهَا‏]‏

المتن‏:‏

الْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى سِتَّةٌ

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْفُرُوضِ وَأَصْحَابِهَا - وَهُمْ كُلُّ مَنْ لَهُ سَهْمٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ - وَقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ كُلٌّ مِنْهُمْ ‏(‏الْفُرُوضُ‏)‏ جَمْعُ فَرْضٍ بِمَعْنَى نَصِيبٍ أَيْ‏:‏ الْأَنْصِبَاءُ ‏(‏الْمُقَدَّرَةُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَحْصُورَةُ لِلْوَرَثَةِ بِأَنْ لَا يُزَادَ عَلَيْهَا وَلَا يُنْقَصَ مِنْهَا إلَّا لِعَارِضٍ كَعَوْلٍ فَيُنْقَصُ أَوْ رَدٍّ فَيُزَادُ ‏(‏فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى‏)‏ لِلْوَرَثَةِ، وَخَبَرُ الْفُرُوضِ قَوْلُهُ ‏(‏سِتَّةٌ‏)‏ بِعَوْلٍ وَبِدُونِهِ وَيَجْمَعُهَا هبادبز وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِعِبَارَاتٍ أَخْصَرُهَا الرُّبُعُ وَالثُّلُثُ وَضِعْفُ كُلٍّ وَنِصْفُهُ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ‏:‏ النِّصْفُ وَنِصْفُهُ وَنِصْفُ نِصْفِهِ وَالثُّلُثَانِ وَنِصْفُهُمَا وَنِصْفُ نِصْفِهِمَا، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ النِّصْفُ وَنِصْفُهُ وَرُبُعُهُ وَالثُّلُثَانِ وَنِصْفُهُمَا وَرُبُعُهُمَا، وَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ ‏"‏ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ‏"‏ السُّدُسُ الَّذِي لِلْجَدَّةِ وَلِبِنْتِ الِابْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ‏:‏ السُّدُسُ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَا مَعَ كَوْنِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ أُمًّا أَوْ جَدَّةً أَوْ بِنْتَ ابْنٍ، وَالسُّبُعُ وَالتُّسْعُ فِي مَسَائِلِ الْعَوْلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ‏:‏ الْأَوَّلُ سُدُسٌ عَائِلٌ وَالثَّانِي ثُمُنٌ عَائِلٌ وَثُلُثُ مَا يَبْقَى فِي الْغَرَّاوَيْنِ كَزَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ، وَفِي مَسَائِلِ الْجَدِّ حَيْثُ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ كَأُمٍّ وَجَدٍّ وَخَمْسَةِ إخْوَةٍ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الِاجْتِهَادِ‏.‏

المتن‏:‏

النِّصْفُ فَرْضُ خَمْسَةٍ‏:‏ زَوْجٍ لَمْ تُخَلِّفْ زَوْجَتُهُ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ، وَبِنْتٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ أَوْ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ مُنْفَرِدَاتٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَأَحَدُ الْفُرُوضِ ‏(‏النِّصْفُ‏)‏ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهِ كَغَيْرِهِ لِكَوْنِهِ أَكْبَرَ كَسْرٍ مُفْرَدٍ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَكُنْت أَوَدُّ أَنْ لَوْ بَدَءُوا بِالثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِهِمَا حَتَّى رَأَيْتُ أَبَا النَّجَا وَالْحُسَيْنَ بْنَ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْوَفِيَّ بَدَآ بِهِمَا فَأَعْجَبَنِي ذَلِكَ، وَهُوَ ‏(‏فَرْضُ خَمْسَةٍ‏)‏ فَرْضُ ‏(‏زَوْجٍ لَمْ تُخَلِّفْ زَوْجَتُهُ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ‏)‏ وَارِثًا بِالْقَرَابَةِ الْخَاصَّةِ وَإِنْ سَفَلَ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، مُفْرَدًا أَوْ جَمْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ‏}‏ وَوَلَدُ الِابْنِ كَالِابْنِ إجْمَاعًا، وَلَفْظُ الْوَلَدِ يَشْمَلُهُمَا إعْمَالًا لَهُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَإِنَّمَا بَدَأَ الْمُصَنِّفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ بِالزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ بَدَأَ بِالْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْفَرْضِيِّينَ التَّعْلِيمُ وَالتَّقْرِيبُ مِنْ الْأَفْهَامِ، وَالِابْتِدَاءُ بِمَا يَقِلُّ فِيهِ الْكَلَامُ أَسْهَلُ وَأَقْرَبُ إلَى الْفَهْمِ فَيَتَدَرَّبُ الْمُتَعَلِّمُ، وَالْكَلَامُ عَلَى الزَّوْجَيْنِ أَقَلُّ مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى بَدَأَ بِمَا هُوَ الْأَوْلَى عِنْدَ الْآدَمِيِّ وَهُوَ الْوَلَدُ، وَخَرَجَ بِالْوَارِثِ وَلَدٌ قَامَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ نَحْوِ رِقٍّ كَكُفْرٍ، وَبِالْقَرَابَةِ الْخَاصَّةِ الْوَارِثُ بِعُمُومِهَا كَوَلَدِ الْبِنْتِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَإِنْ وَرَّثْنَا ذَوِي الْأَرْحَامِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ‏(‏وَ‏)‏ فَرْضُ ‏(‏بِنْتٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ‏)‏ وَإِنْ سَفَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْبِنْتِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ‏}‏ وَبِنْتُ الِابْنِ كَالْبِنْتِ لِمَا مَرَّ فِي وَلَدِ الِابْنِ ‏(‏أَوْ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ‏}‏، وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْأُخْتِ لِلْأُمِّ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ لَهَا السُّدُسَ، وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏مُنْفَرِدَاتٍ‏)‏ رَاجِعٌ إلَى الْأَرْبَعِ، وَأَخْرَجَ بِهِ مَا لَوْ اجْتَمَعْنَ مَعَ إخْوَتِهِنَّ أَوْ أَخَوَاتِهِنَّ، أَوْ اجْتَمَعَ بَعْضُهُنَّ مَعَ بَعْضٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِانْفِرَادَ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعِ زَوْجٌ فَلَهَا النِّصْفُ أَيْضًا‏.‏

المتن‏:‏

وَالرُّبُعُ فَرْضُ زَوْجٍ لِزَوْجَتِهِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ، وَزَوْجَةٍ لَيْسَ لِزَوْجِهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ ثَانِيهَا ‏(‏الرُّبُعُ‏)‏ وَهُوَ ‏(‏فَرْضُ‏)‏ اثْنَيْنِ فَرْضُ ‏(‏زَوْجٍ لِزَوْجَتِهِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ‏)‏ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَارِثٌ بِالْقَرَابَةِ الْخَاصَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ‏}‏ وَوَلَدُ الِابْنِ كَالِابْنِ كَمَا مَرَّ، وَخَرَجَ بِهِ وَلَدُ الْبِنْتِ ‏(‏وَ‏)‏ فَرْضُ ‏(‏زَوْجَةٍ لَيْسَ لِزَوْجِهَا وَاحِدٌ‏)‏ وَارِثٌ ‏(‏مِنْهُمَا‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ‏}‏ وَوَلَدُ الِابْنِ كَالْوَلَدِ كَمَا مَرَّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ تَرِثُ الْأُمُّ الرُّبُعَ فَرْضًا فِي حَالٍ يَأْتِي فَيَكُونُ الرُّبُعُ لِثَلَاثَةٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَالثُّمُنُ فَرْضُهَا مَعَ أَحَدِهِمَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ ثَالِثُهَا ‏(‏الثُّمُنُ‏)‏ وَيُقَالُ فِيهِ‏:‏ ثَمِينٌ أَيْضًا وَهُوَ ‏(‏فَرْضُهَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَةِ ‏(‏مَعَ أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ الْوَارِثِ وَإِنْ سَفَلَ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْهَا أَمْ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ‏}‏ وَوَلَدُ الِابْنِ كَالِابْنِ كَمَا مَرَّ

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْمُرَادُ بِالزَّوْجَةِ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالْوَاحِدَةِ وَالْأَكْثَرِ، فَالزَّوْجَتَانِ أَوْ الثَّلَاثُ أَوْ الْأَرْبَعُ يَشْتَرِكَانِ أَوْ يَشْتَرِكْنَ فِي كُلٍّ مِنْ الرُّبُعِ وَالثُّمُنِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ لِلزَّوْجِ فِي حَالَتَيْهِ ضِعْفُ مَا لِلزَّوْجَةِ فِي حَالَتَيْهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ ذُكُورَةً، وَهِيَ تَقْتَضِي التَّضْعِيفَ فَكَانَ مَعَهَا كَالِابْنِ مَعَ الْبِنْتِ‏.‏

المتن‏:‏

وَالثُّلُثَانِ فَرْضُ بِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا وَبِنْتَيْ ابْنٍ فَأَكْثَرَ وَأُخْتَيْنِ فَأَكْثَرَ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ رَابِعُهَا ‏(‏الثُّلُثَانِ‏)‏ وَهُوَ ‏(‏فَرْضُ‏)‏ أَرْبَعَةٍ‏:‏ فَرْضُ ‏(‏بِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا‏)‏ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ، وَنَاصِبُهُ وَاجِبُ الْإِضْمَارِ أَيْ‏:‏ ذَاهِبًا مِنْ فَرْضِ عَدَدِ الِابْنَتَيْنِ إلَى حَالَةِ الصُّعُودِ عَنْ الِابْنَتَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ غَيْرُ النَّصْبِ، وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ بِالْفَاءِ وَثُمَّ لَا بِالْوَاوِ كَمَا فِي الْمُحْكَمِ ‏(‏وَ‏)‏ فَرْضُ ‏(‏بِنْتَيْ ابْنٍ فَأَكْثَرَ‏)‏ مِنْهُمَا، سَوَاءٌ أَكُنَّ مِنْ أَبٍ أَمْ آبَاءٍ ‏(‏وَ‏)‏ فَرْضُ ‏(‏أُخْتَيْنِ فَأَكْثَرَ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ‏)‏ وَضَابِطُ مَنْ يَرِثُ الثُّلُثَيْنِ مَنْ تَعَدَّدَ مِنْ الْإِنَاثِ مِمَّنْ فَرْضُهُ النِّصْفُ عِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ عَمَّنْ يُعَصِّبُهُنَّ أَوْ يَحْجُبُهُنَّ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْبَنَاتِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ‏}‏ وَفِي الْأَخَوَاتِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ‏}‏ نَزَلَتْ فِي سَبْعِ أَخَوَاتٍ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا مَرِضَ وَسَأَلَ عَنْ إرْثِهِنَّ مِنْهُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الْأُخْتَانِ فَأَكْثَرُ، وَقِيسَ بِالْأُخْتَيْنِ الْبِنْتَانِ، وَبِنْتَا الِابْنِ، وَبِالْأَخَوَاتِ أَوْ الْبَنَاتِ بَنَاتُ الِابْنِ بَلْ هُنَّ دَاخِلَاتٌ فِي لَفْظِ الْبَنَاتِ عَلَى الْقَوْلِ بِإِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ عَلَى أَنَّهُ قِيلَ‏:‏ إنَّ ‏"‏ فَوْقَ ‏"‏ صِلَةٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ‏}‏ وَعَلَيْهِ فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى الْبِنْتَيْنِ، وَيُقَاسُ بِهِمَا بِنْتَا الِابْنِ أَوْ هُمَا دَاخِلَتَانِ كَمَا مَرَّ، وَبِالْأَخَوَاتِ الْبَنَاتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ وَمِمَّا اُحْتُجَّ بِهِ أَيْضًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ‏:‏ ‏{‏لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏}‏، وَهُوَ لَوْ كَانَ مَعَ وَاحِدَةٍ كَانَ حَظُّهَا الثُّلُثَ، فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ يَجِبَ لَهَا ذَلِكَ مَعَ أُخْتِهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَالثُّلُثُ فَرْضُ أُمٍّ لَيْسَ لِمَيِّتِهَا وَلَدٌ وَلَدُ ابْنٍ وَلَا اثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَفَرْضُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ، وَقَدْ يُفْرَضُ لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ خَامِسُهَا ‏(‏الثُّلُثُ‏)‏ وَهُوَ فَرْضُ اثْنَيْنِ ‏(‏فَرْضُ أُمٍّ لَيْسَ لِمَيِّتِهَا وَلَدٌ‏)‏ وَارِثٌ ‏(‏وَلَا وَلَدُ ابْنٍ‏)‏ وَارِثٌ ‏(‏وَلَا اثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ‏)‏ لِلْمَيِّتِ، سَوَاءٌ أَكَانُوا أَشِقَّاءَ أَمْ لَا ذُكُورًا أَمْ لَا مَحْجُوبِينَ بِغَيْرِهِمَا كَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ مَعَ جَدٍّ أَمْ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ‏}‏ وَوَلَدُ الِابْنِ مُلْحَقٌ بِالْوَلَدِ كَمَا مَرَّ، وَالْمُرَادُ بِالْإِخْوَةِ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ إجْمَاعًا قَبْلَ إظْهَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْخِلَافَ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ مَعَ الْأُمِّ أَبٌ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا ذَلِكَ فَفَرْضُهَا ثُلُثُ الْبَاقِي كَمَا سَيَأْتِي ‏(‏وَفَرْضُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ‏)‏ يَسْتَوِي فِي الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ‏}‏ الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ أَوْلَادُ الْأُمِّ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ وَهِيَ وَإِنْ لَمْ تَتَوَاتَرْ لَكِنَّهَا كَالْخَبَرِ فِي الْعَمَلِ بِهَا عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ تَوْقِيفًا، وَإِنَّمَا سَوَّى بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى؛ لِأَنَّهُ لَا تَعْصِيبَ فِيمَنْ أَدْلُوا بِهِ بِخِلَافِ الْأَشِقَّاءِ وَلِأَبٍ، فَإِنَّ فِيهِمْ تَعْصِيبًا، فَكَانَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَالْبِنْتَيْنِ وَالْبَنَاتِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَعْلِيقِهِ ‏(‏وَقَدْ يُفْرَضُ‏)‏ الثُّلُثُ ‏(‏لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ‏)‏ فِيمَا إذَا نَقَصَ عَنْهُ بِالْمُقَاسَمَةِ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ فَأَكْثَرُ كَمَا سَيَأْتِي، وَبِهَذَا يَكُونُ فَرْضُ الثُّلُثِ لِثَلَاثَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّالِثُ فِي كِتَابِ اللَّهِ كَمَا مَرَّ‏.‏

المتن‏:‏

وَالسُّدُسُ فَرْضُ سَبْعَةٍ‏:‏ أَبٍ وَجَدٍّ لِمَيِّتِهِمَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ وَأُمٍّ لِمَيِّتِهَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ أَوْ اثْنَانِ مِنْ إخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ وَجَدَّةٍ وَلِبِنْتِ ابْنٍ مَعَ بِنْتِ صُلْبٍ وَلِأُخْتٍ أَوْ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ مَعَ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَلِوَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ سَادِسُهَا ‏(‏السُّدُسُ‏)‏ وَهُوَ ‏(‏فَرْضُ سَبْعَةٍ‏)‏ فَرْضُ ‏(‏أَبٍ وَجَدٍّ‏)‏ وَارِثٍ ‏(‏لِمَيِّتِهِمَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ‏)‏ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ‏}‏ الْآيَةَ، وَوَلَدُ الِابْنِ كَالْوَلَدِ كَمَا مَرَّ، وَالْجَدُّ كَالْأَبِ ‏(‏وَ‏)‏ فَرْضُ ‏(‏أُمٍّ لِمَيِّتِهَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ‏)‏ وَارِثٌ ‏(‏أَوْ اثْنَيْنِ‏)‏ فَأَكْثَرَ ‏(‏مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ‏)‏ لِمَا مَرَّ فِي الْآيَتَيْنِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ اثْنَيْنِ قَدْ يَشْمَلُ مَا لَوْ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ وَلَدَيْنِ مُلْزَقَيْنِ لَهُمَا رَأْسَانِ وَأَرْبَعُ أَرْجُلٍ وَأَرْبَعُ أَيْدٍ وَفَرْجَانِ وَلَهَا ابْنٌ آخَرُ، ثُمَّ مَاتَ هَذَا الِابْنُ وَتَرَكَ أُمَّهُ وَهَذَيْنِ، فَيُصْرَفُ لَهَا السُّدُسُ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الِاثْنَيْنِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ مِنْ قِصَاصٍ وَدِيَةٍ وَغَيْرِهِمَا، وَتُعْطَى أَيْضًا السُّدُسَ مَعَ الشَّكِّ فِي وُجُودِ أَخَوَيْنِ كَأَنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَاشْتَبَهَ الْحَالُ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ لُحُوقِهِ بِأَحَدِهِمَا وَلِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَدَانِ فَلِلْأُمِّ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ السُّدُسُ فِي الْأَصَحِّ أَوْ الصَّحِيحِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي الْعِدَدِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْأُمِّ الْوَلَدُ أَوْ وَلَدُ الِابْنِ وَاثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ، فَاَلَّذِي رَدَّهَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ الْوَلَدُ لِقُوَّتِهِ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ‏(‏وَ‏)‏ فَرْضُ ‏(‏جَدَّةٍ‏)‏ وَارِثَةٍ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ‏:‏ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدُسَ‏}‏ وَالْمُرَادُ بِهَا الْجِنْسُ؛ لِأَنَّ الْجَدَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ الْوَارِثَاتُ يَشْتَرِكَانِ، أَوْ يَشْتَرِكْنَ فِي السُّدُسِ كَمَا سَيَأْتِي وَرَوَى الْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِهِ لِلْجَدَّتَيْنِ‏}‏ ‏(‏وَ‏)‏ يُفْرَضُ أَيْضًا ‏(‏لِبِنْتِ ابْنٍ‏)‏ فَأَكْثَرَ ‏(‏مَعَ بِنْتِ صُلْبٍ‏)‏ أَوْ مَعَ بِنْتِ ابْنٍ أَقْرَبَ مِنْهَا تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ لِقَضَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فِي بِنْتِ الِابْنِ مَعَ الْبِنْتِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي وَلِأَنَّ الْبَنَاتِ لَيْسَ لَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ، وَالْبِنْتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ أَوْلَى بِذَلِكَ ‏(‏وَ‏)‏ يُفْرَضُ أَيْضًا ‏(‏لِأُخْتٍ‏)‏ لِأَبٍ ‏(‏أَوْ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ مَعَ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ‏)‏ كَمَا فِي الْبِنْتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ ‏(‏وَلِوَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ‏)‏ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

أَصْحَابُ الْفُرُوضِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الذُّكُورِ؛ الزَّوْجُ، وَالْأَخُ لِلْأُمِّ، وَالْأَبُ، وَالْجَدُّ، وَقَدْ يَرِثُ الْأَبُ وَالْجَدُّ بِالتَّعْصِيبِ فَقَطْ، وَقَدْ يَجْمَعَانِ بَيْنَهُمَا، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَتِسْعَةٌ مِنْ الْإِنَاثِ الْأُمُّ، وَالْجَدَّتَانِ، وَالزَّوْجَةُ وَالْأُخْتُ لِلْأُمِّ، وَذَوَاتُ النِّصْفِ الْأَرْبَعُ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي الْحَجْبِ‏]‏

المتن‏:‏

الْأَبُ وَالِابْنُ وَالزَّوْجُ لَا يَحْجُبُهُمْ أَحَدٌ وَابْنُ الِابْنِ لَا يَحْجُبُهُ إلَّا الِابْنُ أَوْ ابْنُ ابْنٍ أَقْرَبُ مِنْهُ وَالْجَدُّ لَا يَحْجُبُهُ إلَّا مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ، وَالْأَخُ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ الْأَبُ وَالِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ، وَلِأَبٍ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ، وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ، وَلِأُمٍّ يَحْجُبُهُ أَبٌ وَجَدٌّ وَوَلَدٌ وَوَلَدُ ابْنٍ، وَابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ سِتَّةٌ‏:‏ أَبٌ، وَجَدٌّ، وَابْنٌ وَابْنُهُ، وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ، وَلِأَبٍ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ، وَابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ، وَالْعَمُّ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ وَابْنُ أَخٍ لِأَبٍ، وَلِأَبٍ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ، وَعَمٌّ لِأَبَوَيْنِ، وَابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ، وَعَمٌّ لِأَبٍ، وَلِأَبٍ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ وَابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ، وَالْمُعْتِقُ يَحْجُبُهُ عَصَبَةُ النَّسَبِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ بَيَانِ الْوَارِثِ وَأَصْحَابِ الْفُرُوضِ شَرَعَ فِيمَنْ يُحْجَبُ وَمَنْ لَا يُحْجَبُ، فَقَالَ‏:‏ فَصْلٌ فِي الْحَجْبِ، وَهُوَ لُغَةً الْمَنْعُ‏.‏ وَشَرْعًا مَنْعُ مَنْ قَامَ بِهِ سَبَبُ الْإِرْثِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ مِنْ أَوْفَرِ حَظَّيْهِ، وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ حَجْبَ حِرْمَانٍ، وَالثَّانِي حَجْبَ نُقْصَانٍ، فَالثَّانِي كَحَجْبِ الْوَلَدِ الزَّوْجَ مِنْ النِّصْفِ إلَى الرُّبُعِ وَقَدْ مَرَّ، وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ أَيْضًا وَسَيَأْتِي، وَحَجْبٌ بِالشَّخْصِ أَوْ الِاسْتِغْرَاقِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْفَصْلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏الْأَبُ وَالِابْنُ وَالزَّوْجُ لَا يَحْجُبُهُمْ أَحَدٌ‏)‏ مِنْ الْإِرْثِ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ بِنَسَبٍ أَوْ نِكَاحٍ وَلَيْسَ فَرْعًا لِغَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفَرْعِ ‏(‏وَابْنُ الِابْنِ‏)‏ وَإِنْ سَفَلَ ‏(‏لَا يَحْجُبُهُ‏)‏ مِنْ الْعَصَبَةِ ‏(‏إلَّا الِابْنُ‏)‏ أَبَاهُ كَانَ أَوْ عَمَّهُ لِإِدْلَائِهِ بِهِ أَوْ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ ابْنُ ابْنٍ أَقْرَبُ مِنْهُ‏)‏ كَابْنِ ابْنٍ وَابْنِ ابْنِ ابْنٍ، وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا ابْنُ الِابْنِ مُرَادُهُ وَإِنْ سَفَلَ كَمَا قَدَّرْتُهُ حَتَّى يَنْتَظِمَ مَعَ هَذَا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ أَنَّهُ يَحْجُبُهُ أَيْضًا أَبَوَانِ وَابْنَتَانِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ سَيَذْكُرُهُ آخِرَ الْفَصْلِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ وَكُلُّ عَصَبَةٍ يَحْجُبُهُ أَصْحَابُ فُرُوضٍ مُسْتَغْرِقَةٍ ‏(‏وَالْجَدُّ‏)‏ أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا ‏(‏لَا يَحْجُبُهُ إلَّا‏)‏ ذَكَرٌ ‏(‏مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَدْلَى بِشَخْصٍ لَا يَرِثُ مَعَ وُجُودِهِ إلَّا أَوْلَادُ الْأُمِّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْمُتَوَسِّطَ بِالذَّكَرِ كَمَا قَدَّرْتُهُ إيضَاحًا؛ لِأَنَّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ أُنْثَى لَا يَرِثُ أَصْلًا فَلَا يُسَمَّى حَجْبًا، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِمُتَوَسِّطٍ لِيَتَنَاوَلَ حَجْبَ الْجَدِّ لِأَبِيهِ، وَمَا فَوْقَهُ مِنْ الصُّوَرِ ‏(‏ وَالْأَخُ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ‏)‏ ثَلَاثَةٌ ‏(‏الْأَبُ وَالِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ‏)‏ وَإِنْ سَفَلَ بِالْإِجْمَاعِ ‏(‏وَ‏)‏ الْأَخُ ‏(‏لِأَبٍ يَحْجُبُهُ‏)‏ أَرْبَعَةٌ ‏(‏هَؤُلَاءِ‏)‏ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّهُمْ إذَا حَجَبُوا الشَّقِيقَ فَهُوَ أَوْلَى ‏(‏وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ‏)‏ لِقُوَّتِهِ بِزِيَادَةِ الْقُرْبِ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ أَنَّهُ يُحْجَبُ أَيْضًا بِبِنْتٍ، وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِمَا مَرَّ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَحْجُبْهُ أَصْحَابُ فُرُوضٍ مُسْتَغْرِقَةٍ؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ مَعَ الْبِنْتِ عَصَبَةٌ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَنْ يُحْجَبُ بِمُفْرَدِهِ، وَكُلٌّ مِنْ الْبِنْتِ وَالْأُخْتِ لَا تَحْجُبُ الْأَخَ بِمُفْرَدِهَا، بَلْ مَعَ غَيْرِهَا ‏(‏وَ‏)‏ الْأَخُ ‏(‏لِأُمٍّ يَحْجُبُهُ‏)‏ أَرْبَعَةٌ ‏(‏أَبٌ وَجَدٌّ وَوَلَدٌ‏)‏ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ‏(‏وَوَلَدُ ابْنٍ‏)‏ وَلَوْ أُنْثَى بِالْإِجْمَاعِ، وَلِآيَتَيْ الْكَلَالَةِ الْمُفَسَّرَةِ بِمَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ‏.‏ أَمَّا الْأُمُّ فَلَا تَحْجُبُهُمْ وَإِنْ أَدْلُوا بِهَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حَجْبِ الْمُدْلِي بِالْمُدْلَى بِهِ، إمَّا اتِّحَادُ جِهَتِهِمَا كَالْجَدِّ مَعَ الْأَبِ وَالْجَدَّةِ مَعَ الْأُمِّ، أَوْ اسْتِحْقَاقُ الْمُدْلَى بِهِ كُلَّ التَّرِكَةِ لَوْ انْفَرَدَ كَالْأَخِ مَعَ الْأَبِ، وَالْأُمُّ مَعَ وَلَدِهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَأْخُذُ بِالْأُمُومَةِ، وَهُوَ بِالْأُخُوَّةِ، وَلَا تَسْتَحِقُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ إذَا انْفَرَدَتْ ‏(‏وَابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ سِتَّةٌ‏:‏ أَبٌ‏)‏ لِأَنَّهُ يَحْجُبُ أَبَاهُ فَهُوَ أَوْلَى ‏(‏وَجَدٌّ‏)‏ لِأَنَّهُ فِي دَرَجَةِ أَبِيهِ فَحَجَبَهُ كَأَبِيهِ ‏(‏وَابْنٌ وَابْنُهُ‏)‏ لِأَنَّهُمَا يَحْجُبَانِ أَبَاهُ فَهُوَ أَوْلَى ‏(‏وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ‏)‏ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَبَاهُ فَهُوَ يُدْلِي بِهِ وَإِنْ كَانَ عَمَّهُ فَهُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ ‏(‏وَ‏)‏ أَخٌ ‏(‏لِأَبٍ‏)‏ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ يَحْجُبُهُ سَبْعَةٌ

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا ضَبَطَ الْمُصَنِّفُ هَذَا بِالْعَدَدِ دُونَ غَيْرِهِ دَفْعًا لِلْإِلْبَاسِ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ وَلِأَبٍ، لِئَلَّا يُوهِمَ التَّكْرَارَ وَإِرَادَةً لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ ‏"‏ وَلِأَبٍ ‏"‏ الثَّانِيَ مَعْطُوفٌ عَلَى ابْنِ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ لَا عَلَى مَا يَلِيهِ ‏(‏وَ‏)‏ ابْنُ الْأَخِ ‏(‏لِأَبٍ يَحْجُبُهُ‏)‏ سَبْعَةٌ ‏(‏هَؤُلَاءِ‏)‏ السِّتَّةُ لِمَا سَبَقَ ‏(‏وَابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ‏)‏ لِقُوَّتِهِ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ تَعَارَضَ قُرْبُ جِهَةٍ كَابْنِ ابْنِ أَخٍ شَقِيقٍ وَابْنِ أَخٍ لِأَبٍ قُدِّمَ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ؛ لِأَنَّ بُنُوَّةَ الْأَخِ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ يُقَدَّمُ فِيهَا الْأَقْرَبُ ‏(‏وَالْعَمُّ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ‏)‏ ثَمَانِيَةٌ ‏(‏هَؤُلَاءِ‏)‏ السَّبْعَةُ لِمَا سَبَقَ ‏(‏وَابْنُ أَخٍ لِأَبٍ‏)‏ لِقُرْبِ دَرَجَتِهِ ‏(‏وَ‏)‏ الْعَمُّ ‏(‏لِأَبٍ يَحْجُبُهُ‏)‏ تِسْعَةٌ ‏(‏هَؤُلَاءِ‏)‏ الثَّمَانِيَةُ لِمَا مَرَّ ‏(‏وَعَمٌّ لِأَبَوَيْنِ‏)‏ لِقُوَّتِهِ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعَمَّ يُطْلَقُ عَلَى عَمِّ الْمَيِّتِ وَعَمِّ أَبِيهِ وَعَمِّ جَدِّهِ، وَابْنُ عَمِّ الْمَيِّتِ يُقَدَّمُ عَلَى عَمِّ أَبِيهِ، وَابْنُ عَمِّ أَبِيهِ يُقَدَّمُ عَلَى عَمِّ جَدِّهِ لِقُوَّةِ جِهَتِهِ كَمَا يُقَدَّمُ ابْنُ الْأَبِ وَهُوَ الْأَخُ عَلَى ابْنِ الْجَدِّ وَهُوَ الْعَمُّ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ عَمُّ الْمَيِّتِ لَا عَمُّ أَبِيهِ وَلَا عَمُّ جَدِّهِ ‏(‏وَابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ‏)‏ عَشَرَةٌ ‏(‏هَؤُلَاءِ‏)‏ التِّسْعَةُ لِمَا مَرَّ ‏(‏وَعَمٌّ لِأَبٍ‏)‏ لِأَنَّهُ فِي دَرَجَةِ أَبِيهِ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ لِزِيَادَةِ قُرْبِهِ ‏(‏وَ‏)‏ ابْنُ عَمٍّ ‏(‏لِأَبٍ يَحْجُبُهُ‏)‏ أَحَدَ عَشَرَ ‏(‏هَؤُلَاءِ‏)‏ الْعَشَرَةُ لِمَا سَلَفَ ‏(‏وَابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ‏)‏ لِقُوَّتِهِ ‏(‏وَالْمُعْتِقُ يَحْجُبُهُ عَصَبَةُ النَّسَبِ‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ أَقْوَى مِنْ الْوَلَاءِ، إذْ تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْوَلَاءِ كَالْمَحْرَمِيَّةِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَسُقُوطِ الْقِصَاصِ، وَعَدَمِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَالْبِنْتُ وَالْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ لَا يُحْجَبْنَ، وَبِنْتُ الِابْنِ يَحْجُبُهَا ابْنٌ أَوْ بِنْتَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَنْ يُعَصِّبُهَا، وَالْجَدَّةُ لِلْأُمِّ لَا يَحْجُبُهَا إلَّا الْأُمُّ، وَلِلْأَبِ يَحْجُبُهَا الْأَبُ أَوْ الْأُمُّ، وَالْقُرْبَى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْهَا، وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَأُمِّ أُمٍّ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَأُمِّ أُمِّ أَبٍ، وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ لَا تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حَجْبِ الذُّكُورِ شَرَعَ فِي حَجْبِ الْإِنَاثِ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَالْبِنْتُ وَالْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ لَا يُحْجَبْنَ‏)‏ عَنْ إرْثِهِنَّ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا مَرَّ فِي الْأَبِ وَالِابْنِ وَالزَّوْجِ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

ضَابِطُ مَنْ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْحَجْبُ بِالشَّخْصِ كُلُّ مَنْ أَدْلَى إلَى الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ إلَّا الْمُعْتِقَ وَالْمُعْتِقَةَ ‏(‏وَبِنْتُ الِابْنِ يَحْجُبُهَا ابْنٌ‏)‏ لِأَنَّهُ أَبُوهَا أَوْ عَمُّهَا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهَا ‏(‏أَوْ بِنْتَانِ‏)‏ لِأَنَّ الثُّلُثَيْنِ فَرْضُ الْبَنَاتِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ ‏(‏إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا‏)‏ أَيْ بِنْتِ الِابْنِ ‏(‏مَنْ يُعَصِّبُهَا‏)‏ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي دَرَجَاتِهَا كَأَخِيهَا أَمْ أَسْفَلَ مِنْهَا كَابْنِ ابْنِ عَمِّهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَهَذَا قَيْدٌ فِي الْأَخِيرِ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا مَنْ يُعَصِّبُهَا اشْتَرَكَتْ مَعَهُ فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ ثُلُثَيْ الْبِنْتَيْنِ ‏{‏لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏}‏ ‏(‏وَالْجَدَّةُ لِلْأُمِّ لَا يَحْجُبُهَا إلَّا الْأُمُّ‏)‏ إذْ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَيِّتِ غَيْرُهَا فَلَا تُحْجَبُ بِالْأَبِ وَلَا بِالْجَدِّ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

قَدْ تَرِثُ الْجَدَّةُ مَعَ بِنْتِهَا إنْ كَانَتْ بِنْتُهَا جَدَّةً أَيْضًا فَيَكُونُ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَذَلِكَ فِي جَدَّةِ الْمَيِّتِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ‏.‏ وَصُورَتُهَا‏:‏ لِزَيْنَبِ مَثَلًا بِنْتَانِ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ، وَلِحَفْصَةَ ابْنٌ، وَلِعَمْرَةَ بِنْتٌ فَنَكَحَ ابْنُ حَفْصَةَ بِنْتَ بِنْتِ خَالَتِهِ عَمْرَةَ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَلَا تُسْقِطُ عَمْرَةُ - الَّتِي هِيَ أُمُّ أُمِّ أُمِّ الْوَلَدِ - أُمَّهَا زَيْنَبَ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ أُمِّ أَبِي الْوَلَدِ، وَأَخْصَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ مَاتَ زَيْدٌ عَنْ فَاطِمَةَ أُمِّ أَبِيهِ وَعَنْ أُمِّهَا زَيْنَبَ وَهِيَ أُمُّ أُمِّ أُمِّهِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي السُّدُسِ‏.‏ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَالُوا‏:‏ لَيْسَ لَنَا جَدَّةٌ تَرِثُ مَعَ بِنْتِهَا الْوَارِثَةِ إلَّا هَذِهِ ‏(‏وَ‏)‏ الْجَدَّةُ ‏(‏لِلْأَبِ يَحْجُبُهَا الْأَبُ‏)‏ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِهِ‏.‏ نَعَمْ لَوْ مَاتَ زَيْدٌ الْمَذْكُورُ آنِفًا عَنْ أَبِيهِ وَجَدَّتِهِ زَيْنَبَ وَرِثَتْ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ أَيْ‏:‏ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ‏.‏ قَالَ الْخَفَّافُ‏:‏ وَلَيْسَ لَنَا جَدَّةٌ تَرِثُ وَابْنُهَا حَيٌّ مِنْ ابْنِ ابْنِهَا إلَّا هَذِهِ ‏(‏أَوْ الْأُمُّ‏)‏ أَيْ تَحْجُبُ الْجَدَّةَ لِلْأَبِ أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ بِالْأُمُومَةِ وَالْأُمُّ أَقْرَبُ مِنْهَا ‏(‏وَالْقُرْبَى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْهَا‏)‏ سَوَاءٌ أَدْلَتْ بِهَا كَأُمِّ أَبٍ، وَأُمِّ أُمِّ أَبٍ، وَأُمِّ أُمٍّ، وَأُمِّ أُمِّ أُمٍّ أَمْ لَمْ تُدْلِ بِهَا كَأُمِّ أَبٍ وَأُمِّ أَبِي أَبٍ فَلَا تَرِثُ الْبُعْدَى مَعَ وُجُودِ الْقُرْبَى، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْبُعْدَى جَدَّةً مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَحْجُبْ الْقُرْبَى الْبُعْدَى كَمَا مَرَّ قَرِيبًا فِي مِثَالِ زَيْنَبَ ‏(‏وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَأُمِّ أُمٍّ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَأُمِّ أُمِّ أَبٍ‏)‏ فَتَنْفَرِدُ الْأُولَى بِالسُّدُسِ؛ لِأَنَّ لَهَا قُوَّتَيْنِ‏:‏ قُرْبَهَا بِدَرَجَةٍ، وَكَوْنَ الْأُمِّ هِيَ الْأَصْلُ، وَالْجَدَّاتُ كَالْفَرْعِ لَهَا ‏(‏وَ‏)‏ الْجَدَّةُ ‏(‏الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ‏)‏ كَأُمِّ أَبٍ ‏(‏لَا تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ‏)‏ كَأُمِّ أُمِّ أُمٍّ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ بَلْ يَكُونُ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَحْجُبُهَا فَالْجَدَّةُ الَّتِي تُدْلِي بِهِ أَوْلَى أَنْ لَا تَحْجُبَهَا، وَالثَّانِي يَحْجُبُهَا لِلْقُرْبِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِقُوَّةِ قَرَابَةِ الْأُمِّ؛ وَلِذَلِكَ تَحْجُبُ الْأُمُّ جَمِيعَ الْجَدَّاتِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ بِخِلَافِ الْأَبِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ وَسَيَأْتِي ضَابِطُ مَنْ يَرِثُ مِنْ الْجَدَّاتِ وَمَنْ لَا يَرِثُ‏.‏

المتن‏:‏

وَالْأُخْتُ مِنْ الْجِهَاتِ كَالْأَخِ، وَالْأَخَوَاتُ الْخُلَّصُ لِأَبٍ يَحْجُبُهُنَّ أَيْضًا أُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَالْأُخْتُ مِنْ الْجِهَاتِ‏)‏ كُلِّهَا فِي حَجْبِهَا بِغَيْرِهَا ‏(‏كَالْأَخِ‏)‏ فِيمَا يُحْجَبُ بِهِ فَتُحْجَبُ الْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ بِالْأَبِ وَالِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ، وَتُحْجَبُ الْأُخْتُ لِأَبٍ بِهَؤُلَاءِ وَأَخٍ لِأَبَوَيْنِ وَالْأُخْتُ لِأُمٍّ بِأَبٍ وَجَدٍّ وَوَلَدٍ وَفَرْعِ ابْنٍ وَارِثٍ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ تُوهِمُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَنَّ الْأُخْتَ الشَّقِيقَةَ تَحْجُبُ الْأُخْتَ لِلْأَبِ كَمَا أَنَّ الْأَخَ الشَّقِيقَ يَحْجُبُ الْأَخَ لِلْأَبِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مُنْدَفِعٌ بِمَا قَالَهُ سَابِقًا مِنْ أَنَّ لَهَا مَعَ الشَّقِيقَةِ السُّدُسَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إلْحَاقِهَا بِأَخِيهَا أَنَّ الشَّقِيقَةَ أَوْ الَّتِي لِأَبٍ لَا تُحْجَبُ بِفُرُوضٍ مُسْتَغْرِقَةٍ حَيْثُ يُفْرَضُ لَهَا بِخِلَافِ الْأَخِ ‏(‏وَالْأَخَوَاتُ الْخُلَّصُ لِأَبٍ يَحْجُبُهُنَّ أَيْضًا أُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ‏)‏ كَمَا فِي بَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الْبَنَاتِ، وَخَرَجَ بِالْخُلَّصِ مَا إذَا كَانَ مَعَهُنَّ أَخٌ فَإِنَّهُ يُعَصِّبُهُنَّ وَلَا يُحْجَبْنَ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏

المتن‏:‏

وَالْمُعْتِقَةُ كَالْمُعْتِقِ، وَكُلُّ عَصَبَةٍ يَحْجُبُهُ أَصْحَابُ فُرُوضٍ مُسْتَغْرِقَةٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَالْمُعْتِقَةُ‏)‏ فِي حَجْبِهَا بِغَيْرِهَا ‏(‏كَالْمُعْتِقِ‏)‏ فِي حَجْبِهِ فَيَحْجُبُهَا عَصَبَةُ النَّسَبِ ‏(‏وَكُلُّ عَصَبَةٍ‏)‏ يُمْكِنُ حَجْبُهُ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ التَّعْصِيبِ لِلْفَرْضِ ‏(‏يَحْجُبُهُ أَصْحَابُ فُرُوضٍ مُسْتَغْرِقَةٍ‏)‏ لِلتَّرِكَةِ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ وَعَمٍّ فَلَا شَيْءَ لِلْعَمِّ لِحَجْبِهِ بِاسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ بَدَلَ الْأَخِ لِلْأُمِّ الْجَدَّ وَنُسِبَ لِسَبْقِ الْقَلَمِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ إنَّمَا يَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ لَا بِالْفَرْضِ حَتَّى يَكُونَ لِلْجَدِّ السُّدُسُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْهَائِمِ بِأَنَّ الْجَدَّ يَأْخُذُ بِالْفَرْضِ إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا السُّدُسُ أَوْ دُونَهُ أَوْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ، وَخَرَجَ بِيُمْكِنُ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ لَا يُمْكِنُ حَجْبُهُ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوَّلَ الْفَصْلِ لَا يَحْجُبُهُ أَحَدٌ، وَبِلَمْ يَنْتَقِلْ إلَخْ الْعَصَبَةُ الشَّقِيقُ فِي الْمُشَرَّكَةِ، وَالْعَصَبَةُ الشَّقِيقَةُ فِي الْأَكْدَرِيَّةِ، فَإِنَّ الْعَصَبَةَ فِيهِمَا لَمْ يُحْجَبْ بِاسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا انْتَقَلَ إلَى الْفَرْضِ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ لَكَانَ حَسَنًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَنْ لَا يَرِثُ لِمَانِعٍ مِنْ رِقٍّ أَوْ نَحْوِهِ لَا يَحْجُبُ غَيْرَهُ حِرْمَانًا وَلَا نُقْصَانًا‏.‏ وَكُلُّ مَنْ حَجَبَ شَخْصًا عَادَتْ فَائِدَتُهُ إلَيْهِ إلَّا فِي صُوَرٍ‏:‏ مِنْهَا مَسْأَلَةُ أَبَوَيْنِ وَأَخَوَيْنِ فَتُرَدُّ الْأُمُّ إلَى السُّدُسِ لَا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ بَلْ بِوَاسِطَةِ الْأَخَوَيْنِ، وَلَا تَعُودُ فَائِدَةُ حَجْبِهَا إلَيْهِمَا وَالتَّحْقِيقُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ لَا اسْتِثْنَاءَ، فَإِنَّ الْأُمَّ وَإِنْ حُجِبَتْ بِالْأَخَوَيْنِ لَكِنَّهُمَا حُجِبَا بِالْأَبِ فَعَادَتْ فَائِدَةُ الْحَجْبِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَا فَضَلَ عَنْ السُّدُسِ بِالتَّعْصِيبِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي بَيَانِ إرْثِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ انْفِرَادًا وَاجْتِمَاعًا‏]‏

المتن‏:‏

الِابْنُ يَسْتَغْرِقُ الْمَالَ وَكَذَا الْبَنُونَ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِلْبِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ، وَلَوْ اجْتَمَعَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَالْمَالُ لَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَأَوْلَادُ الِابْنِ إذَا انْفَرَدُوا كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ، فَلَوْ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ فَإِنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ الصُّلْبِ ذَكَرٌ حَجَبَ أَوْلَادَ الِابْنِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ لِلصُّلْبِ بِنْتٌ فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ الذُّكُورِ أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أُنْثَى أَوْ إنَاثٌ فَلَهَا أَوْ لَهُنَّ السُّدُسُ، وَإِنْ كَانَ لِلصُّلْبِ بِنْتَانِ فَصَاعِدًا أَخَذَتَا الثُّلُثَيْنِ، وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ الذُّكُورِ أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَلَا شَيْءَ لِلْإِنَاثِ الْخُلَّصِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ ذَكَرٌ فَيُعَصِّبُهُنَّ، وَأَوْلَادُ ابْنِ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ الِابْنِ كَأَوْلَادِ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ الصُّلْبِ، وَكَذَا سَائِرُ الْمَنَازِلِ، وَإِنَّمَا يُعَصِّبُ الذَّكَرُ النَّازِلُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَيُعَصِّبُ مَنْ فَوْقَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثَيْنِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ فِي بَيَانِ إرْثِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ انْفِرَادًا وَاجْتِمَاعًا ‏(‏الِابْنُ‏)‏ الْمُنْفَرِدُ ‏(‏يَسْتَغْرِقُ الْمَالَ وَكَذَا‏)‏ الِابْنَانِ وَ ‏(‏الْبَنُونَ‏)‏ إجْمَاعًا فِي الْجَمِيعِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اجْتَمَعَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَالْمَالُ لَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ عَبَّرَ بِالتَّرِكَةِ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْمَالِ كَانَ أَوْلَى، وَإِرْثُ الِابْنِ بِالْعُصُوبَةِ، وَقِيلَ‏:‏ لَا يُسَمَّى عَصَبَةً لِأَنَّ الْعَصَبَةَ مَنْ قَدْ يُحْجَبُ، وَهُوَ لَا يُحْجَبُ‏.‏ قَالَ فِي الْبَسِيطِ‏:‏ وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ ‏(‏وَلِلْبِنْتِ‏)‏ الْوَاحِدَةِ ‏(‏النِّصْفُ وَلِلْبِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ‏)‏ وَهَذَا قَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَذُكِرَ هُنَا تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ وَتَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَلَوْ اجْتَمَعَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَالْمَالُ لَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ‏)‏ أَيْ نَصِيبِ ‏(‏الْأُنْثَيَيْنِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ‏}‏ الْآيَةَ وَإِنَّمَا فَضَّلَ الذَّكَرَ عَلَى الْأُنْثَى لِاخْتِصَاصِهِ بِلُزُومِ مَا لَا يَلْزَمُ الْأُنْثَى مِنْ الْجِهَادِ، وَتَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَهُ حَاجَتَانِ حَاجَةٌ لِنَفْسِهِ وَحَاجَةٌ لِزَوْجَتِهِ، وَلِلْأُنْثَى حَاجَةٌ وَاحِدَةٌ لِنَفْسِهَا، بَلْ هِيَ غَالِبًا مُسْتَغْنِيَةٌ بِالتَّزْوِيجِ عَنْ الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهَا، وَلَكِنْ لَمَّا عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى احْتِيَاجَهَا إلَى النَّفَقَةِ وَأَنَّ الرَّغْبَةَ تَقِلُّ فِيهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ جَعَلَ لَهَا حَظًّا مِنْ الْإِرْثِ وَأَبْطَلَ حِرْمَانَ الْجَاهِلِيَّةِ لَهَا، وَإِنَّمَا جَعَلَ لَهَا نِصْفَ مَا لِلذَّكَرِ؛ لِأَنَّهَا كَذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ، وَخُولِفَ هَذَا الْقِيَاسُ فِي إخْوَةِ الْأُمِّ فَسَوَّى بَيْنَ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ لِإِدْلَائِهِمْ بِالْأُمِّ وَبَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ فِيمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ ابْنٌ مَثَلًا فَجَعَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا السُّدُسَ لِتَعَبِهَا فِي تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ غَالِبًا ‏(‏وَأَوْلَادُ الِابْنِ‏)‏ وَإِنْ نَزَلَ ‏(‏إذَا انْفَرَدُوا كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ‏)‏ فِيمَا ذُكِرَ بِالْإِجْمَاعِ لِتَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَتَهُمْ ‏(‏فَلَوْ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ‏)‏ أَيْ أَوْلَادُ الصُّلْبِ وَأَوْلَادُ الِابْنِ ‏(‏فَإِنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ الصُّلْبِ ذَكَرٌ‏)‏ مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ غَيْرِهِ ‏(‏حَجَبَ أَوْلَادَ الِابْنِ‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرٌ ‏(‏فَإِنْ كَانَ لِلصُّلْبِ بِنْتٌ فَلَهَا النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ الذُّكُورِ‏)‏ فَقَطْ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ ‏(‏أَوْ‏)‏ الْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ ‏(‏الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ‏)‏ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قِيَاسًا عَلَى أَوْلَادِ الصُّلْبِ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَكُنْ‏)‏ مِنْ أَوْلَادِ الِابْنِ ‏(‏إلَّا أُنْثَى أَوْ إنَاثٌ فَلَهَا أَوْ لَهُنَّ السُّدُسُ‏)‏ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ‏.‏ أَمَّا الْوَاحِدَةُ فَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى لَهَا بِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَمَّا فِي الزَّائِدِ عَلَى الْوَاحِدَةِ فَلِأَنَّ الْبَنَاتِ لَيْسَ لَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ، فَالْبِنْتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَتَرَجَّحَتْ بِنْتُ الصُّلْبِ عَلَى بَنَاتِ الِابْنِ بِقُرْبِهَا فَيَشْتَرِكْنَ فِي السُّدُسِ كَالْجَدَّاتِ الْوَارِثَاتِ ‏(‏وَإِنْ كَانَ لِلصُّلْبِ بِنْتَانِ فَصَاعِدًا أَخَذَتَا‏)‏ أَوْ أَخَذْنَ ‏(‏الثُّلُثَيْنِ‏)‏ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ الذُّكُورِ‏)‏ بِالسَّوِيَّةِ ‏(‏أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ‏)‏ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ‏(‏وَلَا شَيْءَ لِلْإِنَاثِ الْخُلَّصِ‏)‏ مِنْ وَلَدِ الِابْنِ مَعَ بِنْتَيْ الصُّلْبِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ‏(‏إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ ذَكَرٌ فَيُعَصِّبَهُنَّ‏)‏ فِي الْبَاقِي لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إذْ لَا يُمْكِنُ إسْقَاطُهُ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ ذَكَرٌ وَلَا إسْقَاطُ مَنْ فَوْقَهُ وَإِفْرَادُهُ بِالْمِيرَاثِ مَعَ بُعْدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي دَرَجَتِهِنَّ لَمْ يُفْرَدْ مَعَ قُرْبِهِ، وَأَفْهَمَ تَعْصِيبُهُ لَهُنَّ إذَا كَانَ فِي دَرَجَتِهِنَّ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَهَذَا يُسَمَّى الْأَخَ الْمُبَارَكَ‏.‏ أَمَّا الْأَعْلَى فَيَسْقُطْنَ بِهِ ‏(‏وَأَوْلَادُ ابْنِ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ الِابْنِ كَأَوْلَادِ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ الصُّلْبِ‏)‏ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ ‏(‏وَكَذَا سَائِرُ‏)‏ أَيْ بَاقِي ‏(‏الْمَنَازِلِ‏)‏ مِنْ كُلِّ دَرَجَةٍ نَازِلَةٍ مَعَ دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ كَأَوْلَادِ ابْنِ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ ابْنِ الِابْنِ ‏(‏وَإِنَّمَا يُعَصِّبُ الذَّكَرُ النَّازِلُ‏)‏ مِنْ أَوْلَادِ الِابْنِ عَنْ إنَاثِهِمْ ‏(‏مَنْ فِي دَرَجَتِهِ‏)‏ كَأُخْتِهِ وَبِنْتِ عَمِّهِ فَيُعَصِّبُهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَفَضَلَ لَهَا مِنْ الثُّلُثَيْنِ شَيْءٌ أَمْ لَا كَمَا يُعَصِّبُ الِابْنُ الْبَنَاتِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مَنْ هِيَ أَسْفَلُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُسْقِطُهَا كَمَا مَرَّ ‏(‏وَيُعَصِّبُ مَنْ فَوْقَهُ‏)‏ كَبِنْتِ عَمِّ أَبِيهِ ‏(‏إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثَيْنِ‏)‏ كَبِنْتَيْ صُلْبٍ وَبِنْتِ ابْنٍ، وَابْنِ ابْنِ ابْنٍ، فَإِنْ كَانَ لَهَا شَيْءٌ مِنْهُمَا لَمْ يُعَصِّبْهَا كَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَابْنِ ابْنِ ابْنٍ؛ لِأَنَّ لَهَا فَرْضًا اسْتَغْنَتْ بِهِ عَنْ تَعْصِيبِهِ، وَلَا يُقَالُ‏:‏ تَأْخُذُ السُّدُسَ وَيُعَصِّبُهَا فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ خَصَائِصِ الْأَبِ وَالْجَدِّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَالَ الْفَرْضِيُّونَ‏:‏ لَيْسَ فِي الْفَرَائِضِ مَنْ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ وَعَمَّتَهُ وَعَمَّةَ أَبِيهِ وَجَدَّهُ وَبَنَاتِ أَعْمَامِهِ وَبَنَاتِ أَعْمَامِ أَبِيهِ وَجَدَّهُ إلَّا الْمُسْتَنْزِلَ مِنْ أَوْلَادِ الِابْنِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي بَيَانِ إرْثِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِرْثِ الْأُمِّ فِي حَالَةٍ‏]‏

المتن‏:‏

الْأَبُ يَرِثُ بِفَرْضٍ إذَا كَانَ مَعَهُ ابْنٌ أَوْ ابْنُ ابْنٍ وَبِتَعْصِيبٍ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ، وَبِهِمَا إذَا كَانَ بِنْتٌ أَوْ بِنْتُ ابْنٍ لَهُ السُّدُسُ فَرْضًا وَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهِمَا بِالْعُصُوبَةِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ فِي بَيَانِ إرْثِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِرْثِ الْأُمِّ فِي حَالَةٍ ‏(‏الْأَبُ يَرِثُ بِفَرْضٍ‏)‏ فَقَطْ السُّدُسَ كَمَا مَرَّ ‏(‏إذَا كَانَ مَعَهُ ابْنٌ أَوْ ابْنُ ابْنٍ‏)‏ وَارِثٌ وَإِنْ سَفَلَ وَالْبَاقِي لِمَنْ مَعَهُ ‏(‏وَ‏)‏ يَرِثُ ‏(‏بِتَعْصِيبٍ‏)‏ فَقَطْ ‏(‏إذَا لَمْ يَكُنْ‏)‏ مَعَهُ ‏(‏وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ‏)‏ سَوَاءٌ أَكَانَ وَحْدَهُ أَمْ مَعَهُ صَاحِبُ فَرْضٍ كَزَوْجَةٍ فَلَهُ الْبَاقِي بَعْدَ الْفَرْضِ بِالْعُصُوبَةِ وَإِلَّا أَخَذَ الْجَمِيعَ، وَالْأَخُ الشَّقِيقُ يُشَارِكُ الْأَبَ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ فَيَرِثُ بِالْفَرْضِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُشَرِّكَةِ وَبِالتَّعْصِيبِ فِي غَيْرِهَا ‏(‏وَ‏)‏ يَرِثُ ‏(‏بِهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ‏(‏إذَا كَانَ‏)‏ مَعَهُ ‏(‏بِنْتٌ‏)‏ مُفْرَدَةٌ أَوْ كَانَ مَعَهَا بِنْتٌ أُخْرَى فَأَكْثَرُ ‏(‏أَوْ بِنْتُ ابْنٍ‏)‏ وَإِنْ سَفَلَ مُفْرَدَةٌ أَوْ مَعَهَا بِنْتُ ابْنٍ أُخْرَى أَوْ بِنْتَا ابْنٍ فَأَكْثَرُ ‏(‏لَهُ السُّدُسُ فَرْضًا‏)‏ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَلَدِ فِي الْآيَةِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَلَوْ عَطَفَ بِالْوَاوِ لَصَحَّ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ أَوْ بِنْتَا ابْنٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ‏(‏وَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهِمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَبِ وَالْبِنْتِ أَوْ الْأَبِ وَبِنْتِ الِابْنِ، وَكَذَا غَيْرُهُمَا مِمَّنْ ذُكِرَ، وَهُوَ الثُّلُثُ أَوْ السُّدُسُ لَهُ يَأْخُذُهُ ‏(‏بِالْعُصُوبَةِ‏)‏ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ‏}‏، وَأَوْلَى بِمَعْنَى أَقْرَبَ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى أَحَقَّ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِبْهَامِ وَالْجَهَالَةِ فَلَا يَبْقَى لِلْكَلَامِ مَعْنًى‏.‏

المتن‏:‏

وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ أَوْ السُّدُسُ فِي الْحَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْفُرُوضِ وَلَهَا فِي مَسْأَلَتَيْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ، وَالْجَدُّ كَالْأَبِ إلَّا أَنَّ الْأَبَ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ، وَالْجَدُّ يُقَاسِمُهُمْ إنْ كَانُوا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، وَالْأَبُ يُسْقِطُ أُمَّ نَفْسِهِ وَلَا يُسْقِطُهَا الْجَدُّ وَالْأَبُ فِي زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ يَرُدُّ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى ثُلُثِ الْبَاقِي وَلَا يَرُدُّهَا الْجَدُّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الْجَدَّ لَيْسَ كَالْأَبِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ وَجْهٌ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ بَعْدُ وَالْجَدُّ كَالْأَبِ، وَقَدْ يَجْمَعُ الزَّوْجُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ كَزَوْجٍ هُوَ مُعْتِقٌ أَوْ ابْنُ عَمٍّ، لَكِنْ هَذَا خَرَجَ بِقَوْلِنَا فِيمَا مَرَّ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ هَذَا بِجِهَتَيْنِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَإِنَّهُ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ ‏(‏وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ أَوْ السُّدُسُ فِي الْحَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي‏)‏ فَصْلِ ‏(‏الْفُرُوضِ‏)‏ الْمُقَدَّرَةِ، وَأَعَادَهُ هُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَلَهَا فِي مَسْأَلَتَيْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ‏)‏ فَرْضِ ‏(‏الزَّوْجِ أَوْ‏)‏ فَرْضِ ‏(‏الزَّوْجَةِ‏)‏ لَا ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ قَبْلَ إظْهَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْخِلَافَ قَائِلًا بِأَنَّ لَهَا الثُّلُثَ كَامِلًا فِي الْحَالَيْنِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى لَوْ انْفَرَدَا اقْتَسَمَا الْمَالَ أَثْلَاثًا، فَإِذَا اجْتَمَعَا مَعَ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ اقْتَسَمَا الْفَاضِلَ كَذَلِكَ كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ، فَلِلزَّوْجِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهِيَ مِنْ اثْنَيْنِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي ثُلُثُهُ لِلْأُمِّ وَثُلُثَاهُ لِلْأَبِ، وَأَقَلُّ عَدَدٍ لَهُ نِصْفٌ صَحِيحٌ، وَثُلُثُ مَا يَبْقَى سِتَّةٌ فَتَكُونُ مِنْ سِتَّةٍ فَهِيَ تَأْصِيلٌ لَا تَصْحِيحٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَصْلَيْنِ الزَّائِدَيْنِ وَلِلزَّوْجَةِ فِي الثَّانِيَةِ، وَهِيَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي وَهُوَ سَهْمٌ وَلِلْأَبِ الْبَاقِي، قَالُوا‏:‏ وَإِنَّمَا عَبَّرُوا عَنْ حِصَّتِهَا فِيهِمَا بِثُلُثِ الْبَاقِي مَعَ أَنَّهَا أَخَذَتْ فِي الْأُولَى السُّدُسَ، وَفِي الثَّانِيَةِ الرُّبُعَ تَأَدُّبًا مَعَ لَفْظِ الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى ‏{‏وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ‏}‏ وَيُلَقَّبَانِ بِالْغَرَّاوَيْنِ لِشُهْرَتِهِمَا تَشْبِيهًا لَهُمَا بِالْكَوْكَبِ الْأَغَرِّ وَبِالْعُمْرِيَّتَيْنِ لِقَضَاءِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِيهِمَا بِمَا ذُكِرَ وَبِالْغَرِيبَتَيْنِ لِغَرَابَتِهِمَا ‏(‏وَالْجَدُّ‏)‏ أَبُو الْأَبِ فِي الْمِيرَاثِ ‏(‏كَالْأَبِ‏)‏ عِنْدَ عَدَمِهِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ وَغَيْرِهِ ‏(‏إلَّا أَنَّ الْأَبَ‏)‏ يُفَارِقُهُ فِي أَنَّهُ ‏(‏يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ‏)‏ لِلْمَيِّتِ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَالْجَدُّ‏)‏ لَا يُسْقِطُهُمْ بَلْ ‏(‏يُقَاسِمُهُمْ إنْ كَانُوا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ‏)‏ كَمَا سَيَأْتِي ‏(‏وَالْأَبُ‏)‏ يُفَارِقُ الْجَدَّ أَيْضًا فِي أَنَّهُ ‏(‏يُسْقِطُ أُمَّ نَفْسِهِ‏)‏ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِهِ ‏(‏وَلَا يُسْقِطُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ أُمَّ نَفْسِ الْأَبِ ‏(‏الْجَدُّ‏)‏ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَالشَّخْصُ لَا يُسْقِطُ زَوْجَةَ نَفْسِهِ، فَالْأَبُ وَالْجَدُّ سِيَّانِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسْقِطُ أُمَّ نَفْسِهِ ‏(‏وَالْأَبُ‏)‏ يُفَارِقُ الْجَدَّ فِيمَا سَبَقَ ‏(‏فِي‏)‏ مَسْأَلَتَيْ ‏(‏زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ‏)‏ فَإِنَّ الْأَبَ فِيهِمَا ‏(‏يَرُدُّ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى ثُلُثِ الْبَاقِي، وَلَا يَرُدُّهَا الْجَدُّ‏)‏ بَلْ تَأْخُذُ مَعَهُ الثُّلُثَ كَامِلًا؛ لِأَنَّ الْجَدَّ لَا يُسَاوِيهَا فِي الدَّرَجَةِ فَلَا يَلْزَمُ تَفْضِيلُهُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْأَبِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

فِي أَنَّ الْأَبَ لَا يَرِثُ مَعَهُ إلَّا جَدَّةٌ وَاحِدَةٌ وَالْجَدُّ يَرِثُ مَعَهُ جَدَّتَانِ، وَمَعَ أَبِي الْجَدِّ ثَلَاثَةٌ، وَمَعَ جَدِّ الْجَدِّ أَرْبَعٌ، وَهَكَذَا كُلَّمَا عَلَا الْجَدُّ دَرَجَةً زَادَ فِيمَنْ يَرِثُ مَعَهُ جَدَّةٌ

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا يَنْحَصِرُ الِاسْتِثْنَاءُ فِيمَا ذَكَرَهُ بَلْ يُفَارِقُهُ أَيْضًا فِي أَنَّ الْأَبَ لَا يَرِثُ مَعَهُ إلَّا جَدَّةٌ وَاحِدَةٌ وَالْجَدُّ يَرِثُ مَعَهُ جَدَّتَانِ، وَمَعَ أَبِي الْجَدِّ ثَلَاثَةٌ، وَمَعَ جَدِّ الْجَدِّ أَرْبَعٌ، وَهَكَذَا كُلَّمَا عَلَا الْجَدُّ دَرَجَةً زَادَ فِيمَنْ يَرِثُ مَعَهُ جَدَّةٌ‏.‏

المتن‏:‏

وَلِلْجَدَّةِ السُّدُسُ، وَكَذَا الْجَدَّاتُ وَتَرِثُ مِنْهُنَّ أُمُّ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ خُلَّصٍ، وَأُمُّ الْأَبِ وَأُمَّهَاتُهَا كَذَلِكَ وَكَذَا أُمُّ أَبِي الْأَبِ وَأُمُّ الْأَجْدَادِ فَوْقَهُ وَأُمَّهَاتُهُنَّ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَضَابِطُهُ كُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِمَحْضِ إنَاثٍ أَوْ ذُكُورٍ أَوْ إنَاثٍ إلَى ذُكُورٍ تَرِثُ، وَمَنْ أَدْلَتْ بِذَكَرٍ بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ فَلَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلِلْجَدَّةِ السُّدُسُ‏)‏ كَمَا مَرَّ، وَذَكَرَ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَكَذَا الْجَدَّاتُ‏)‏ يَعْنِي‏:‏ الْجَدَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ لِمَا رَوَى الْحَاكِمُ، وَقَالَ‏:‏ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ‏"‏ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى لِلْجَدَّتَيْنِ مِنْ الْمِيرَاثِ بِالسُّدُسِ‏}‏ وَسَوَاءٌ اسْتَوَيْنَ فِي الْإِدْلَاءِ أَمْ زَادَتْ إحْدَاهُمَا بِجِهَةٍ‏:‏ مِثَالُهُ فِي ذَاتِ جِهَتَيْنِ تَزَوَّجَ ابْنُ ابْنِ هِنْدٍ بِبِنْتِ بِنْتِهَا فَأَتَى مِنْهَا بِوَلَدٍ فَهِنْدٌ أُمُّ أُمِّ أُمِّ الْوَلَدِ، وَأُمُّ أَبِي أَبِيهِ فَهِيَ جَدَّةٌ مِنْ جِهَتَيْنِ فَهِيَ ذَاتُ جِهَتَيْنِ فَإِذَا مَاتَ هَذَا الْوَلَدُ عَنْهَا وَعَنْ أُمِّ أُمِّ أَبِيهِ وَهِيَ ذَاتُ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تَفْضُلُ هِنْدٌ عَلَيْهَا، بَلْ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ بِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد ‏{‏أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعْطَى السُّدُسَ لِثَلَاثِ جَدَّاتٍ‏}‏ وَحَكَى الْإِمَامُ فِيهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ ‏(‏وَتَرِثُ مِنْهُنَّ‏)‏ جَزْمًا ‏(‏أُمُّ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ خُلَّصٍ‏)‏ كَأُمِّ أُمِّ الْأُمِّ وَإِنْ عَلَتْ ‏(‏وَأُمُّ الْأَبِ وَأُمَّهَاتُهَا كَذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ خُلَّصٍ كَأُمِّ أُمِّ الْأَبِ ‏(‏وَكَذَا أُمُّ أَبِي الْأَبِ وَأُمُّ الْأَجْدَادِ فَوْقَهُ وَأُمَّهَاتُهُنَّ عَلَى الْمَشْهُورِ‏)‏ لِأَنَّهُنَّ جَدَّاتٌ يُدْلِينَ بِوَارِثٍ فَيَرِثْنَ كَأُمِّ الْأَبِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَرِثْنَ لِإِدْلَائِهِنَّ بِجَدٍّ فَأَشْبَهْنَ أُمَّ أَبِي الْأُمِّ ‏(‏وَضَابِطُهُ‏)‏ أَيْ إرْثِ الْجَدَّاتِ الْوَارِثَاتِ، هُوَ ‏(‏كُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ‏)‏ أَيْ وَصَلَتْ ‏(‏بِمَحْضِ إنَاثٍ‏)‏ كَأُمِّ أُمِّ الْأُمِّ ‏(‏أَوْ ذُكُورٍ‏)‏ كَأُمِّ أَبِي الْأَبِ ‏(‏أَوْ إنَاثٍ إلَى ذُكُورٍ‏)‏ كَأُمِّ أُمِّ الْأَبِ ‏(‏تَرِثُ، وَمَنْ أَدْلَتْ بِذَكَرٍ بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ‏)‏ كَأُمِّ أَبِي الْأُمِّ ‏(‏فَلَا‏)‏ تَرِثُ كَمَا لَا يَرِثُ ذَلِكَ الذَّكَرُ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

فِي مَعْرِفَةِ بَيَانِ إرْثِ الْجَدَّاتِ الْوَارِثَاتِ إذَا تَعَدَّدْنَ‏.‏ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ جَدَّاتٌ فَالْوَارِثُ مِنْهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَاحِدَةٌ أَبَدًا، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّعَدُّدُ فِي الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَيَتَعَدَّدُ ذَلِكَ بِتَعَدُّدِ الدَّرَجَةِ، وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى مِنْكَ أَبُوكَ وَأُمُّكَ، ثُمَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَبٌ وَأُمٌّ، فَالْأَرْبَعَةُ الَّذِينَ هُمْ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ هُمْ الدَّرَجَةُ الْأُولَى مِنْ دَرَجَاتِ الْجُدُودَةِ ثُمَّ أُصُولُك فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ ثَمَانِيَةٌ، وَفِي الرَّابِعَةِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَفِي الْخَامِسَةِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ وَهَكَذَا، فَإِذَا وَصَلْت إلَى الْعَاشِرَةِ كَانَ فِيهَا أَلْفٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ جَدَّةً، وَالنِّصْفُ مِنْ الْأُصُولِ فِي كُلِّ دَرَجَةٍ ذُكُورٌ وَالنِّصْفُ إنَاثٌ وَهُنَّ الْجَدَّاتُ، فَإِذَا كَانَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْأُصُولِ جَدَّتَانِ، وَفِي الثَّالِثَةِ أَرْبَعٌ، وَفِي الرَّابِعَةِ ثَمَانٍ، وَفِي الْخَامِسَةِ سِتَّةَ عَشْرَ، وَفِي الْعَاشِرَةِ خَمْسُمِائَةٍ وَاثْنَا عَشَرَ جَدَّةً، ثُمَّ مِنْهُنَّ وَارِثَاتٌ وَغَيْرُ وَارِثَاتٍ، فَإِذَا سُئِلْتَ عَنْ عَدَدٍ مِنْ الْجَدَّاتِ الْوَارِثَاتِ عَلَى أَقْرَبِ مَا يُمْكِنُ مِنْ الْمَنَازِلِ فَاجْعَلْ دَرَجَتَهُنَّ بِعَدَدِ السُّؤَالِ عَنْهُ، وَمَحْضُ نِسْبَةِ الْأُولَى إلَى الْمَيِّتِ أُمَّهَاتٌ ثُمَّ أَبْدِلْ مِنْ آخِرِ نِسْبَةِ الثَّانِيَةِ أُمًّا بِأَبٍ وَفِي آخِرِ نِسْبَةِ الثَّالِثَةِ أُمَّيْنِ بِأَبَوَيْنِ، وَهَكَذَا تَنْقُصُ مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَتَزِيدُ فِي الْآبَاءِ حَتَّى يَتَمَحَّضَ نِسْبَةُ الْأَخِيرَةِ أَبًا، مِثَالُهُ‏:‏ إذَا سَأَلْتَ عَنْ عَشْرِ جَدَّاتٍ وَارِثَاتٍ فَاجْعَلْ دَرَجَتَهُنَّ عَشَرَةً‏.‏

الْأُولَى‏:‏ مُدْلِيَةٌ بِالْأُمُومَةِ، وَهِيَ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمٍّ‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أَبٍ‏.‏

الثَّالِثَةُ‏:‏ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أَبِي أَبٍ‏.‏

الرَّابِعَةُ‏:‏ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أَبِي أَبِي أَبٍ‏.‏

الْخَامِسَةُ‏:‏ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أَبِي أَبِي أَبِي أَبٍ‏.‏

السَّادِسَةُ‏:‏ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبٍ‏.‏

السَّابِعَةُ‏:‏ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبٍ‏.‏

الثَّامِنَةُ‏:‏ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبٍ‏.‏

التَّاسِعَةُ‏:‏ أُمُّ أُمِّ أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبٍ‏.‏

الْعَاشِرَةُ‏:‏ أُمُّ أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبٍ، ثُمَّ الْوَارِثَاتُ فِي كُلِّ دَرَجَةٍ مِنْ دَرَجَاتِ الْأُصُولِ بِعَدَدِ تِلْكَ الدَّرَجَةِ، فَفِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ اثْنَتَانِ، وَفِي الثَّالِثَةِ ثَلَاثٌ، وَفِي الرَّابِعَةِ أَرْبَعٌ، وَفِي الْخَامِسَةِ خَمْسٌ وَهَكَذَا فِي كُلِّ دَرَجَةٍ لَا تَزِيدُ إلَّا وَارِثَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ تَضَاعَفَ عَدَدُهُنَّ فِي كُلِّ دَرَجَةٍ وَسَبَبُهُ أَنَّ الْجَدَّاتِ مَا بَلَغْنَ نِصْفَهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، وَنِصْفَهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، فَإِذَا صَعِدَتْ دَرَجَةً تَبَدَّلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِأُمِّهَا وَزَادَتْ أُمُّ الْجَدِّ الَّذِي صَعِدَتْ إلَيْهِ‏.‏